للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[صفة الرؤية في لمعة الاعتقاد]

قال ابن قدامة رحمه الله: [والمؤمنون يرون ربهم في الآخرة بأبصارهم، ويزورونه، ويكلمهم ويكلمونه].

وهذا فيه إثبات صفة الكلام لله عز وجل، وأنها صفة ذاتية؛ لأنه يكلمهم ويكلمونه، ويسمع كلامهم سبحانه وتعالى، لكنه ليس كصفة المخلوقين سبحانه وتعالى.

قال رحمه الله: [قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٢ - ٢٣]].

{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} هذه من النضرة وهي الجمال والبهاء.

{إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٣] النظر هنا نظر العين، والدليل على أن النظر هنا نظر العين وليس المقصود به نظر الفكر: أنه معدى بإلى، والتعدية بإلى لا تستخدم إلا في نظر عين الإنسان، فإن النظر كلمة تستخدم عدة استخدامات، تستخدم في الفكر، فيقال: النظر العقلي، وتستخدم في النظر بالعين، وتستخدم بمعنى الانتظار مثل: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد:١٣] يعني: انتظرونا، لكنها إذا عديت بإلى فإنها تدل على رؤية العين تحقيقاً.

ومما يدل على ذلك: أن هنا ارتباطاً بالعين؛ لأنه قال: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلى رَبِهَا نَاظِرَة} [القيامة:٢٢] فالوجوه الناضرة ترى ربها بعينها التي في وجهها.

قال: [وقال تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:١٥]].

وقد سبق أن هذا الاستدلال هو استدلال الإمام الشافعي رحمه الله.

قال: [فلما حجب أولئك في حال السخط دل على أن المؤمنين يرونه في حال الرضا، وإلا لم يكن بينهما فرق].

وهذا يدل على الاستدلال بمفهوم المخالفة في باب العقيدة، يعني: كما أنه يستدل بالقول في باب العقيدة، وبالفعل وبالتقرير، كذلك يستدل بمفهوم الموافقة والمخالفة وبالمنطوق وهو الأصل في الباب.

قال: [وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته) حديث صحيح متفق عليه].

هذا نص صريح في الرؤية، ورؤية القمر لا تحتمل إلا الرؤية التي تكون بالعين.

(لا تضامون في رؤيته) يعني: لا تضايقون في رؤيته.

قال: [وهذا تشبيه للرؤية بالرؤية لا المرئي، بالمرئي فإن الله تعالى لا شبيه له ولا نظير، فإنه ليس المقصود تشبيه الله بالقمر، وإنما تشبيه رؤية الله عز وجل برؤية القمر].

فهذا يدل أولاً: أن هذه الرؤية تكون بالعين.

ثانياً: يدل على أنه يمكن للخلق جميعاً أن يروه سبحانه وتعالى لأنه مرتفع عنهم، كما أنهم يرون القمر وهم في أماكن مختلفة؛ لأنه مرتفع عنهم، فإذا جاز هذا في المخلوق فجوازه في الخالق أولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>