[القرآن كلام الله]
قال المؤلف رحمه الله: [فصل: القرآن كلام الله.
ومن كلام الله سبحانه القرآن العظيم، وهو كتاب الله المبين].
وهذا فيه أن القرآن جزء من كلام الله، وليس هو كل كلام الله، فكلام الله أوسع من القرآن وأكثر كما هو معلوم، والأدلة كثيرة على كلام الله وسعته.
قال المؤلف رحمه الله: [ومن كلام الله سبحانه القرآن العظيم، وهو كتاب الله المبين وحبله المتين وصراطه المستقيم وتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين بلسان عربي مبين، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود].
وقوله: (منه بدأ) يعني: من الله سبحانه وتعالى بدأ هذا القرآن، فالله عز وجل هو المتكلم الأول به، وقوله: (وإليه يعود) ذكر بعض الشراح أن المقصود بقوله: (وإليه يعود) يعني: أن القرآن في آخر الزمان يؤخذ من صدور الناس، فيقوم الناس في يوم من الأيام ليس عندهم شيء منه لا في الصدور ولا في السطور أيضاً، وبعضهم قال: يعني: أن مصير الناس جميعاً إلى الله سبحانه وتعالى.
قال المؤلف رحمه الله: [وهو سور محكمات وآيات بينات وحروف وكلمات، من قرأه فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات، له أول وآخر].
وقوله: (له أول وآخر) وقوله: (حروف وكلمات وسور محكمات وآيات بينات) هذا فيه الرد على الكلابية والأشاعرة الذين قالوا: إن كلام الله كلام نفسي، وأنه واحد غير متعدد فما قيل لهم: هناك فروق في الأساليب بين الاستفهام والأمر والنهي والخبر ونحو ذلك من الأساليب، قالوا: هذا الكلام الواحد كله أمر ونهي واستفهام وخبر ونحو ذلك، فناقضوا العقل بالإضافة إلى مناقضتهم الشرع.
قال المؤلف رحمه الله: [له أول وآخر، وأجزاء وأبعاض، متلو بالألسنة محفوظ في الصدور، مسموع بالآذان مكتوب في المصاحف فيه محكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، وأمر ونهي، {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:٤٢]].
وهناك مسائل يذكرها بعض المتنطعين، فبعضهم يقولون: ماذا تقول في مداد القرآن، وهل مداد القرآن من صفات الله أو أنه مخلوق؟! وبعضهم يقولون: ماذا تقول في المصحف نفسه الذي بين أيدينا؟ وماذا تقولون في صوت القارئ هل هو من القرآن أو ليس من القرآن؟ وهذه قضية في غاية الوضوح؛ لأن المداد لا شك أنه مخلوق، سواء كتب به قرآن أو كتب به كلام آخر من الكلام، وأما الأوراق نفسها فهي مخلوقة، لكن ليست هذه هي القرآن الذي تكلم الله به، وإن كان الناس يقولون: هذا هو القرآن، يقصدون المصحف كما تقول الآن: قال امرؤ القيس: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل إلى آخره.
فهل الذي قال الآن أنت أو امرؤ القيس؟ ولو جئت وقلت: قلت أنا: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل لقال لك الناس: أنت كذاب، لأنك تنسب الشيء لنفسك ولم تقله أنت، فالقائل المقصود به الأول الذي قاله أولاً وهكذا القرآن هو كلام الله الأول، فإذا كتب في مصحف واصطلح الناس على تسميته قرآناً فلا يعني هذا أن هذا القرآن الذي بين أيدينا هو نفسه كلام الله، فهذا تنطع وعبث أراد به بعض الجاهلين التشويش على عقيدة أهل السنة في أن القرآن كلام الله عز وجل، وأرادوا أن يشككوا الناس في كونه مخلوقاً، ولكن هذه الشبهة بسيطة لا تنطلي على أحد.