لقد تميز الدين الإسلامي عن غيره من الأديان بأنه محفوظ ولله الحمد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين، ولأنه لا نبي بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، وهذا الدين محفوظ بعدة أمور: أولاً: بحفظ الكتاب والحكمة اللذين هما المصدر الأساسي لهذا الدين.
والأمر الثاني: بحفظ أهل العلم لمناهج الاستدلال بهذا القرآن، وبهذه الحكمة التي هي السنة، وبما يتعلق بهذا القرآن من العقائد والآراء والمناهج.
فهذه الأمة -ولله الحمد- متميزة عن غيرها من الأديان الأخرى، فاليهودية والنصرانية لم تحفظ كتبهم، وإنما تفرقت في أيدي الناس وأصبحوا يروونها، ولهذا عندما تقرأ ما يسمونه بالكتاب المقدس، سواء العهد الجديد أو العهد القديم، تجد أنها عبارة عن حكايات يحكونها، وليست هي من كلام الله عز وجل، ولا من كلام الرسل الذين بعثهم الله سواء موسى أو عيسى أو غيرهم من الرسل الذين أرسلهم الله إلى هاتين الأمتين، وإنما يقوم تلاميذ هؤلاء أو تلاميذ تلاميذهم بحكاية هذه الحكايات بدون أي إسناد وبدون أي برهان يقيني يدل على صحة هذه العقائد أو هذه الأفكار أو هذه الآراء الموجودة في ما يسمونه بالكتاب المقدس.
إذاً: منهج هذه الأمة محفوظ، والاهتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ممكن حتى لو تأخر الزمان، وحتى لو نسق العالم عن نهايته كما يقولون.
وللأسف الشديد أنك تجد كثيراً من الناس قد يدخل في نفسه شيء من الشك أو شيء من الشعور بأنه لا يمكن للإنسان أن يهتدي بالهدي الرباني المميز للعقيدة الصحيحة عن غيرها؛ بسبب البعد الشاسع في الزمان والتفرق في البلاد، وهذا لا شك أنه تصور فاسد، بل يجب على الإنسان أن يعتقد عقيدة جازمة بأن هذا الدين محفوظ إلى قيام الساعة، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين) والظهور معناه: أنه يمكن للإنسان أن يعرفه؛ لأنهم ليسوا مستترين عن الأنظار أو مختفين أو أن عملهم وعقائدهم سرية لا يدركها أحد، وإنما هم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصفهم:(ظاهرين)، وفي بعض الألفاظ قال:(منصورة)، وفي بعض الألفاظ قال:(يقاتلون على دين الله عز وجل، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك).