[أقسام الألفاظ المشتركة في اللغة ودلالتها]
وقد وقع خلاف كبير عند هؤلاء في القدر المشترك في الأسماء ما هو؟ هل هو مقول بالاشتراك اللفظي، أو هو مقول كما يسمونه بالتواطؤ، أو هو مقول بالتشكيك؟ وهذه مصطلحات للكلمات العربية.
فبعضها تقال بالاشتراك اللفظي، مثلاً كلمة عين، ممكن تفهم عين الإنسان، وممكن تفهم العين الجارية، وممكن تفهم الجاسوس، ويمكن أن تفهم أشياء متعددة مع أن الكلمة واحدة، فيعرفون الاشتراك اللفظي بأنه اللفظ الذي يدل على حقائق مختلفة وهو لفظ واحد.
فالعين لفظ واحد، لكنها تدل على حقائق مختلفة تمام الاختلاف.
كذلك (المشتري) تطلق على الإنسان الذي يشتري بضاعة من بائع، وتطلق على الكوكب، والفرق بين الكوكب وبين المشتري كشخص في الحقائق تماماً.
وهناك اصطلاح آخر وهو التواطؤ، والتواطؤ هو الاسم الكلي الذي يدل على أنواع متعددة متفقة في الحقيقة، يمثلون له بكلمة إنسان، فكلمة إنسان كلمة كلية عامة تدل على أشخاص كثر، هذا إنسان وهذا إنسان وهذا إنسان، لكنها كلها متفقة في الحقيقة، أي: حقيقة الإنسان أن له جسداً وروحاً وعينين وأذنين، لكن هذا الإنسان يختلف عن هذا الإنسان، هذا زيد وهذا عمرو، وهذا محمد، وهذا خالد، وهذا فهد، وهكذا.
هذا يسمى التواطؤ.
والتواطؤ يقسمه بعض الأصوليين إلى قسمين: تواطؤ عام.
وتواطؤ خاص.
وهناك فرق بين التواطؤ العام والتواطؤ الخاص، وقد يسمون التواطؤ الخاص بالمشكك.
ومعنى اصطلاح المشكك: اللفظ الذي يدل على أكثر من معان مختلفة في الحقيقة، لكن مقسمها واحد، وهناك فرق بين أن يكون حقيقتها واحدة وبين أن يكون مقسمها واحداً، مثل كلمة (الحيوان) تدل على أنواع متعددة لكن الحقيقة واحدة.
لكن في المشكك الحقيقة ليست واحدة، بل هي حقائق مختلفة، لكن ليس مثل الاشتراك اللفظي، وهي أن الحقائق مختلفة كلياً بحيث إن هذا له معنى مختلف عن المعنى الآخر، وهذه الحقائق المختلفة لها معنى، كل واحد يمكن أن يفهم فهماً من خلال الاسم العام والمطلق.
فإطلاق الصفات سواء إطلاقاً عاماً هكذا هي من جنس المشكك وليست من جنس الاشتراك اللفظي، ولهذا جمهور المعطلة من المعتزلة والأشاعرة والماتريدية وغيرهم يعتقدون أن إطلاق هذه الأسماء من جنس المشكك كما سبق، لكنهم ينفونها لاعتقادهم أن هذا يدل على التماثل ولا بد، ونحن نقول: إنه لا يدل على التماثل وإنما هو معنى عام مشترك يتمايز في الحقائق.
وانحرف بعضهم انحرافاً كبيراً جداً في هذه المسألة فقال: إن إطلاق هذه الأسماء هي من جنس الاشتراك اللفظي.
وهذا يدل على أن الذي يؤمن بهذه القضية سيدخل في فوضى كبيرة من خلال تفكره في هذا الاشتراك اللفظي.
ونحن قلنا: إن الاشتراك اللفظي هو الكلمة التي تستخدم في حقائق متعددة، يعني: العين الباصرة غير العين الجارية من كل وجه، يعني: ليس هناك قدر مشترك بينها أبداً، فهي مختلفة من كل وجه، وإنما اتفقت في الحروف (ع ي ن).
وأما اتفاق أسماء صفات الله عز وجل مع أسماء المخلوقين فهي ليست من هذا الباب، وإنما هي من باب الاتفاق في قدر مشترك ومعنى عام يختلف في الحقائق عند الإضافة، فيقال: هذه صفة المخلوق وهذه صفة الخالق، هذه صفة الله وهذه صفة العبد مثلاً، لأن القول بأنها من الاشتراك اللفظي يجعل الإنسان في متاهة وفي حيرة كبيرة، فعندما يقرأ: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:٢٥٥] ماذا يفهم من كلمة الحي؟ يعني: ما دام أنه بالاشتراك اللفظي يمكن أن يكون معناها بعيداً كل البعد، ونحن خاطبنا الله عز وجل بلغة العرب الواضحة البينة، وإنما يتضح معنى الآية من السياق.
ولو أخذنا مثالاً واحداً وهو الوجود، فالله عز وجل موجود والعبد موجود، لكن وجود الله ليس مثل وجود العبد، بل هو مختلف تماماً، لكن هذا وجود وهذا وجود، بمعنى: هذا ليس بمعدوم وهذا ليس بمعدوم أيضاً.
والوجود له معنى عام يفهمه الإنسان، لكن هذا المعنى لا يمكن للإنسان أن يحدده بالنسبة لله ويجعلها مثل صفة المخلوق، وهذا هو التمثيل الذي حذر الله ونهى عنه.
على كل حال هذه خلاصة هذه المسألة، وهي مسألة طويلة الذيل، وهذا هو المأزق الذي وقع فيه أهل الكلام سواء المعطلة منهم أو المشبهة، والحق هو ما سبق أن أشرنا إليه، ولهذا يرد كثيراً في كلام شيخ الإسلام رحمه الله أن من لم يقل بالقدر المشترك فهو ينفي وجود الله سبحانه وتعالى.
ومعنى كلامه أن من لم يقل بأن هناك قدراً مشتركاً بين وجود العبد ووجود الخالق، وأن هذا القدر المشترك لا يقتضي التماثل وإنما هناك تمايز من كل وجه إذا أضيفت إلى الخالق أو المخلوق؛ فإن هذا يقتضي ألا يثبت وجوداً أصلاً، أي: لا يثبت وجوداً حقيقياً لله سبحانه وتعالى.
هذا ما يتعلق بقضية موقف السلف الصالح رضوان الله عليهم بشكل مجمل في إثبات الأسماء والصفات، فهم يثبتونها كما أثبتها الله عز وجل وكما أثبتها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينفون ما نفاه الله عز وجل أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم.