[كيفية تلقي العلم عن المشايخ وأهمية ذلك]
في الدرس الماضي تحدثنا عن مسائل الإيمان والكفر، وتحدثنا عن حقيقة الإيمان ومفهومه، وعن زيادة الإيمان ونقصانه، وأيضاً تحدثنا عن تأثير المعاصي، وأنها تنقص الإيمان، ولا تزيله بالكلية إلا الأمور الشركية والكفرية، فإن الكفر الأكبر يزيل الإيمان، كما أن الشرك الأكبر يزيل الإيمان، أما المعاصي والذنوب فإنها لا تزيل الإيمان بالكلية، وإنما تنقصه.
والأمور الكفرية والشركية لها ضوابطها ولها أصولها عند أهل العلم، ومن أبرز الأمور الكفرية: تكذيب الرسول، أو تكذيب رب العالمين، أو السب أو اللعن، أو الشتم أو الاستهزاء، أو عبادة غير الله سبحانه وتعالى، أو عدم الإيمان بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم، أو تحكيم غير شريعة الله سبحانه وتعالى، وذلك بالإتيان بشريعة أخرى بدلاً عنها، ونحو ذلك مما يسميه أهل العلم نواقض الإيمان.
واليوم إن شاء الله سنستعرض ما يتعلق بموضوع الإيمان في الكتب المقررة الثلاثة: وهي (حائية ابن أبي داود) و (لمعة الاعتقاد) و (الواسطية) وسنعلق إن شاء الله على الأحاديث والآيات التي سترد علينا إن شاء الله.
وقبل ذلك نقرأ قليلاً في كتاب (حلية طالب العلم)، وقد توصلنا في الدرس الماضي إلى الكلام على تلقي طالب العلم، وأنه ينبغي عليه يبدأ الطالب بأصول العلم قبل فروعه، وأن يشتغل بضبط قواعد العلوم الشرعية، سواء في العقيدة أو في الفقه أو في أي علم من العلوم التي تكون مساندة للعلوم الشرعية، ثم بعد ذلك ينتقل إلى ما هو أعلى، ثم إلى ما هو أعلى، حتى يستطيع أن يقرأ المطولات وأن يستفيد منها، دون أن يشوش على نفسه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الأدب السابع عشر: تلقي العلم عن الأشياخ.
الأصل في الطلب أن يكون بطريق التلقين والتلقي عن الأساتيذ، والمثافنة للأشياخ، والأخذ من أفواه الرجال لا من الصحف وبطون الكتب، والأول من باب أخذ النسيب عن النسيب الناطق وهو المعلم.
أما الثاني عن الكتاب، فهو جماد، فأنى له اتصال النسب؟].
يعني: التلقي عن المشايخ لطلب العلم له أهمية؛ لأن الشيخ المتقن يكون قد سبق هذا الطالب في دراسة هذا العلم وعرف قواعده، وعرف أصوله، وعرف ما يتعلق به من ضبط لنصوصه، ونحو ذلك.
فالإنسان يستفيد من الشيخ فيما يتعلق بضبط المنقولات، مثل: الآيات، أو الأحاديث، أو المنظومة، أو المتن الذي يقرأ على هذا الشيخ إذا كان متناً منثوراً، ونحو ذلك، بحيث إن هذا الشيخ يعلم الطالب النصوص الصحيحة بصورتها الصحيحة، هذا بالإضافة إلى الفهم الصحيح لهذه النصوص ومقاصد أهل العلم في كلامهم، فإن الإنسان إذا اعتمد على القراءة المجردة، فإن القراءة المجردة لا تكفيه في معرفة المقاصد الدقيقة لكلام أهل العلم، فأهل التخصص وأهل الدراية وأهل المعرفة لاشك أنهم أعرف بمقصود صاحب الكتاب، أو بمقصود العلم من غيره، ولهذا ينبغي على الإنسان أن يحرص على التلقي عن أهل العلم، فهم يختصرون له مشواراً طويلاً، هذا بالإضافة إلى أن أهل العلم قد سبقوا في معرفة أطراف هذا العلم؛ لأن الإنسان إذا اعتمد على نفسه قد يأخذ من العلم الشرعي بطرف واحد، ثم يظن أن هذا الطرف هو الأساس، ويظن أنه قد جاء بالعلم كله بينما هو في الحقيقة لم يكتشف إلا جزءاً يسيراً من هذا العلم، ولهذا ينبغي أن يتلقى الإنسان عن المشايخ.
قال: [وقد قيل: من دخل في العلم وحده خرج وحده، أي: من دخل في طلب العلم بلا شيخ؛ خرج منه بلا علم، إذ العلم صنعة، وكل صنعة تحتاج إلى صانع، فلا بد إذاً لتعلمها من معلمها الحاذق.
وهذا يكاد يكون محل إجماع كلمة من أهل العلم؛ إلا من شذ مثل: علي بن رضوان المصري الطبيب المتوفى سنة (٤٥٣) هـ، وقد رد عليه علماء عصره ومن بعدهم.
قال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى في ترجمته له: ولم يكن له شيخ، بل اشتغل بالأخذ عن الكتب، وصنف كتاباً في تحصيل الصناعة من الكتب، وأنها أوفق من المعلمين، وهذا غلط، انتهى.
وقد بسط الصفدي في (الوافي) الرد عليه، وعند الزبيدي في شرح الإحياء عن عدد من العلماء معللين له بعدة علل؛ منها ما قاله ابن بطلان في الرد عليه: السادسة: يوجد في الكتاب أشياء تصد عن العلم، وهى معدومة عند المعلم، وهى التصحيف العارض من اشتباه الحروف مع عدم اللفظ، والغلط بزوغان البصر، وقلة الخبرة بالإعراب، أو فساد الموجود منه، وإصلاح الكتاب، وكتابة ما لا يقرأ، وقراءة ما لا يكتب، ومذهب صاحب الكتاب، وسقم النسخ، ورداءة النقل، وإدماج القارئ مواضع المقاطع، وخلط مبادئ التعليم، وذكر ألفاظ مصطلح عليها في تلك الصناعة، وألفاظ يونانية لم يخرجها الناقل من اللغة، كالنورس، فهذه كلها معوقة عن العلم، وقد استراح المتعلم من تكلفها عند قراءته على المعلم، وإذا كان الأمر على هذه الصورة، فالقراءة على العلماء أجدى وأفضل من قراءة الإنسان لنفسه، وهو ما أردنا بيانه.
قال الصفدي: ولهذا قال العلماء: لا تأخذ العلم من صُحفي ولا مصحفي.
يعنى: لا تقرأ الق