[إثبات ما وصف الله به نفسه في آية الكرسي]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وما وصف به نفسه في أعظم آية في كتابه، حيث يقول: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:٢٥٥]].
قوله تعالى: [{اللَّهُ} [البقرة:٢٥٥]] وهذا سبق أن تحدثنا عنه أنه يتضمن صفة الإله [{لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [البقرة:٢٥٥]]، هي شهادة أن لا إله إلا الله، وهي تفسير لمعنى الإله، وأنه لا إله إلا هو سبحانه وتعالى، فلا معبود ولا محبوب إلا هو سبحانه وتعالى.
وقوله: [{الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:٢٥٥]]: (الحي) اسم من أسماء الله، وهو يتضمن صفة الحياة لله سبحانه وتعالى، وهي من الصفة الذاتية الثابتة له.
و [(القيوم)] يتضمن صفة القيام على الخلق، فهو سبحانه وتعالى قيوم السموات والأراضين، وهو القائم على هذه المخلوقات، وهو المدبر لها سبحانه وتعالى.
وقوله: [{لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:٢٥٥]].
هذه من الصفات السلبية، فهو لا ينام، (والسنة) معناها: النعاس، فهو {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:٢٥٥] لكمال حياته وكمال قيوميته سبحانه وتعالى.
وقوله: [{لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [البقرة:٢٥٥]]، والصفة الموجودة هنا هي الغنى أو الملك، فهو مالك ما في السموات وما في الأرض؛ لأن اللام هنا في قوله (له) للملكية.
وقوله: [{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:٢٥٥]] والصفة المأخوذة هنا هي صفة الإذن، وهناك فرق بين الإذن والأذن، فالإذن معناه: الإباحة والسماح، يعني: أنه لا يشفع أحد عنده إلا بإباحته له ذلك وإذنه له.
وأما الأذن الوارد في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أَذَن الله لشيء كأذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن)، فإنه بمعنى الاستماع، يعني: ما استمع لشيء كاستماعه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن.
وبعض الناس فهم من هذا الحديث أنه يتضمن إثبات صفة الأُذن لله، وهناك فرق بين الأَذَن والأُذُن، فالأذن لم يرد في النصوص الشرعية وصف الله عز وجل بها، وإنما الوارد في هذا الحديث الأَذَن، ومعناه: الاستماع، وهي صفة فعلية.
وقوله: [{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [البقرة:٢٥٥]]، هذه فيها إثبات صفة العلم، وصفة العلم ثابتة لله سبحانه وتعالى، وهي من أبرز الصفات الذاتية، وهي من الصفات التي يمكن الاستدلال عليها عقلاً، فلو أردت أن تثبت صفة العلم لله عز وجل لشخص لا يؤمن بالقرآن فلا تأت وتقول له مثلاً: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [البقرة:٢٥٥]، فإنه يقول لك: أنا لا أثبت القرآن أصلاً.
فتستدل عليه بالمخلوقات، فالمخلوقات الموجودة إن كان يثبت أن الله خالقها فلابد أن يثبت أنه عالم بها؛ لأن الخلق معناه التقدير، والتقدير لابد أن يسبقه علم، ولهذا يقول الله عز وجل: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤].
ولو أنك جئت لشخص وقلت له بعد أن طبع هذا الكتاب وصفت حروفه، وقلت: إن هذا يجهل ما في هذا الكتاب، أو إنه ليس عنده علم به، فهل يمكن أن يقتنع أحد بكلامك؟ لا يمكن؛ لأن هذا مخالف للعقل، فالعقل يدل على أنّ خالق الشيء ومدبر الشيء لابد أن يكون عالماً به؛ لأن الخلق فرع عن العلم.
وقوله: [{وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة:٢٥٥]] وهذا أيضاً فيه إثبات صفة العلم الواسع المحيط بكل شيء، فالله عز وجل وسع علمه كل شيء، وإثبات صفة العلم فيه الرد على الفلاسفة الذين يقولون: إن الله يعلم الكليات فقط وأما الجزئيات فإنه لا يعلمها، وقد كفرهم العلماء، وممن كفرهم أبو حامد الغزالي في كتابه (تهافت الفلاسفة)، فإنه كفر الفلاسفة بسبب ثلاث مقالات: المقالة الأولى: قولهم بقدم العالم.
والمقالة الثانية: قولهم بإنكار البعث الجسماني، وقالوا: إن البعث يكون للأرواح فقط ولا يكون للأجسام.
والمقالة الثالثة: إنكارهم لعلم الله بالجزئيات، وقولهم: بأن الله يعلم الكليات فقط وأما الجزئيات فإنه لا يعلمها.
وقوله: [{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} [البقرة:٢٥٥] (الكرسي) هنا ليس من صفات الله، وإنما هو من مخلوقات الله، فإضافة الكرسي إلى الله في قوله: ((وسع كرسيه)) إضافة خلق، فإن الإضافة كما سبق أن شرحناها تنقسم إلى قسمين: إضافة أعيان،