قال رحمه الله: [وقوله: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ}[البروج:١٤]]، فالغفور اسم لله عز وجل يتضمن صفة المغفرة، والمغفرة تدل على الرحمة وتدل على المحبة أيضاً، والودود يدل على صفة الود، والود من صفات الله سبحانه وتعالى، والود بمعنى المحبة.
ولهذا سمى السلف نفاة الصفات: غلاظ الأكباد؛ لأنهم ينفون صفة المحبة، فيقولون: إن الله عز وجل لا يحب ولا يحب، ويقولون: إن المحبة هي الإرادة، فيردون المحبة والصفات الاختيارية إلى الإرادة، فمثلاً: المحبة والغضب والرضا يقولون: هي إرادة الإحسان أو إرادة الانتقام، لكن المحبة كصفة لا يثبتونها لله سبحانه وتعالى، ويقولون: إنه لا يحب ولا يحَب، ويقولون: إن المحبة لا تتعلق به، فالمحبة هي تعلق القلب، ولا يصح أن تتعلق بالإله الخالق، فإن المحبة بمعنى الخضوع والتعبد.
وهذا فهم فاسد لأمرين: فهم فاسد للأسماء والصفات، وفهم فاسد للتأله والتعبد، فهم يفسرون الألوهية بمعنى الربوبية وينفون الصفات عن الله عز وجل، ولهذا كما يقول ابن القيم رحمه الله: إنهم أغلقوا منافذ التعلق بالله سبحانه وتعالى من جهة محبة العبد لربه، ومن جهة محبة الرب لعبده سبحانه وتعالى، مع أن هذه القضية صريحة في كتاب الله، {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}[المائدة:٥٤]، فأولوها بسبب الأصول العقلية التي سبق أن أشرنا إليها في دروس سابقة.