للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[كيفية التعامل مع ظواهر النصوص التي وردت في الصفات]

هنا قضية مهمة وهي قضية ظواهر النصوص التي وردت في الصفات هل ظواهرها مقصودة أو ليست مقصودة؟ أو هل هناك معان باطنية في هذه الظواهر ينبغي أن نبحث عنها، وننقب عنها، ونرد معاني أسماء وصفات الله عز وجل إليها، وأن ننتقد كل من يفهم الظواهر التي تأتي في النصوص؟ لا شك أن منهج أهل السنة والجماعة هو أن ظواهر هذه الأسماء والصفات مرادة لكن بشرط إلا يكون ظاهرها مشابهة المخلوق، ولا يمكن أن يكون ظاهرها كذلك؛ لأن الله عز وجل الذي أثبت لنفسه الصفات نفى عن نفسه مماثلة المخلوقات فقال: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:٤]، وقال: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:٦٥]، وهذا استفهام إنكاري معناه: ليس له سبحانه وتعالى سمي.

وقال: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ} [النحل:٧٤]، وقال: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:٢٢]، فالله عز وجل ليس له شبيه ولا مثيل.

وبناء على هذا فكل ما نقرؤه في القرآن أو في السنة من أسماء الله ومن صفاته فهي على ظواهرها، لكن لا يجوز للمسلم أن يظن أن ظواهرها مماثلة المخلوقات، لكن قلوبهم اشتملت على الشبهات فإذا قرءوا آية من آيات الله عز وجل في القرآن أو حديثاً من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ظنوا مباشرة أن هذا يقتضي المماثلة، فاتفقوا على أنها ليست على ظاهرها، ثم اختلفوا: هل نعين المعنى المراد بهذه النصوص، أم نكتفي بأن نقول: ليست على ظاهرها ونترك معانيها؟ فالقسم الأول: هم المعطلة المؤولة، والقسم الثاني: هم المعطلة المفوضة.

فهم جميعاً اتفقوا على نفي مدلول معاني أسماء الله وصفاته عن الله عز وجل، ثم اختلفوا فيما يترتب على ذلك: مثلاً قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:٢٢] يقولون: هذه قطعاً لا تدل على إثبات المجيء لله عز وجل، فلا يصح أن ننسب لله عز وجل صفة المجيء؛ لأن المجيء من صفات المخلوق، والله عز وجل مخالف للمخلوق، فلا نثبتها لله، ثم اختلفوا: هل نأتي بمعنى ملائم للآية وهو ما يسمى (التأويل) وهو صرف اللفظ عن ظاهره الراجح إلى معنى مرجوح لوجود قرينة.

والقرينة عندهم جميعاً هي أن هذه الظواهر تقتضي التمثيل، فالمؤولة قالوا: لا بد أن نحدد المعنى على سبيل التبرع، كما قال بذلك الرازي في القانون الكلي في كتاب له اسمه أساس التقديس؛ يقول: نحن نؤول هذه النصوص من باب التبرع، يعني: حتى يفهم الإنسان معانيها.

وقالت المفوضة: نمرها كما جاءت.

ثم فسروا آية آل عمران في المتشابه على نحو ما يريدون وبالطريقة التي يريدون، وسيأتي معنا إن شاء الله عند القراءة وقوع أحد علماء هذه الكتب الثلاثة وهو ابن قدامة رحمه الله في خطأ لكنه خطأ جزئي وليس هو حقيقة مذهب المفوضة.

ونحن نقول: لا شك أن هذه الظواهر على حقيقتها، وأن ظواهر هذه الأسماء والصفات لا تقتضي المماثلة بأي وجه من الوجوه.

إذاً الطريقة التي ندرس بها العقيدة الآن تسمى: (طريقة التصحيح)، أعني: تصحيح المفاهيم العقدية مما خالطها من شوائب البدع؛ لأن هناك مدارس كلامية سابقة ألف علماؤها كتباً وانتشرت في الأمة، وصار لديها معاهد، ومدارس دينية، وظهر على أثر هذا علماء ينشرون هذه العقائد بشكل كبير، فاقتضى ذلك تصحيح العقيدة مما وقع حولها من الشوائب، وإلا فإن الواجب أن تكون دراستنا في الأسماء والصفات هي دراسة أثرها التربوي والإيماني على القلوب.

ويدل لذلك أنه عندما جاء لقيط بن صبرة رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسمع منه قوله: (يضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره) (القنوط) هو: اليأس، (وقرب غيره) يعني: قرب انفراج هذا اليأس، فيضحك الله عز وجل من ذلك لضعف العبد قال لقيط: (يا رسول الله! أيضحك الرب؟) ما كان يعرف هذه الصفة، قال: (نعم، قال: لن نعدم من رب يضحك خيراً).

فهو استفاد منها أثراً تربوياً وإيمانياً، يعني: هذا الرب الذي يضحك لا نعدم منه خيراً، فأثر في نفس لقيط بن صبرة أن ربه يضحك، واستفاد منه أثراً إيمانياً ضوعبادة إيمانية ضرورية عند أهل السنة وهي الرجاء.

يعني: ينبغي للإنسان أن يرجوه وأن يطلب منه الخير مادام يضحك، وهذه من صفاته، ولم يخطر في بال لقيط بن صبرة ما يخطر في عقول المتكلمين في زماننا وفي الزمان الذي قبله، لم يقل: هل الضحك يقتضي أن يكون مماثلاً لضحك المخلوق؟ وهل يقتضي أن يكون هناك لهاة؟ وهل يقتضي أن يكون هناك أسنان؟ وهل يقتضي أن يكون هناك لسان مع الفارق بين الخالق والمخلوق؟ إذاً: لقيط لم يقس ربه على خلقه، وإنما عرف أن ربه مختلف، لكن له هذه الصفة التي تدل على معنى، فاستفاد من هذا المعنى، ولم يشبه ولم يمثل في صفته سبحانه وتعالى، وأيضاً لم يدفعه ذلك لنفي هذه الصفة عن الله سبحانه وتعالى، هـ

<<  <  ج: ص:  >  >>