[شرح مقدمة كتاب حلية طالب العلم]
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد: فإن من المهم جداً أن يتعلم الإنسان مع العلم الأدب وتزكية النفس، والله سبحانه وتعالى قد بعث محمداً صلى الله عليه وسلم لتعليم الناس قراءة القرآن وتزكية النفوس وتعليمهم أيضاً العلم النافع، يقول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:٢].
وتعليم الكتاب هو تفسير الكتاب وتعلم العلم النافع، والحكمة المراد بها: السنة.
والتزكية التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم هي تطهير القلب ونماؤه بالعلم النافع والعمل الصالح، فإن القلب هو الأساس بالنسبة لحركة الجوارح، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب).
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله في كتابه حلية طالب العلم: [الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، اللهم صل وسلم عليه، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه.
فأقيد معالم هذه الحلية المباركة عام (١٤٠٨ هـ) والمسلمون - ولله الحمد - يعايشون يقظة علمية، تتهلل لها سبحات الوجوه، ولا تزال تنشط -متقدمة إلى الترقي والنضوج- في أفئدة شباب الأمة، مجدها ودمها المجدد لحياتها، إذ نرى الكتائب الشبابية تترى يتقلبون في أعطاف العلم مثقلين بحمله، يعلون منه وينهلون، فلديهم من الطموح، والجامعية، والاطلاع المدهش والغوص على مكنونات المسائل، ما يفرح به المسلمون نصراً، فسبحان من يحيي ويميت قلوباً].
لا يشك أحد في ظهور هذه الصحوة الإسلامية -ولله الحمد-، وكونها منتشرة في سائر البلاد، وكل من يشاهد الواقع يعرف ذلك جيداً، حتى أن الأعداء الذين يتربصون بهذه الصحوة الإسلامية وهذه اليقظة الإسلامية يعلمون ذلك، بل إن عامة الناس اليوم لا يبغون بدلاً عن الإسلام وعن تطبيق أحكام الإسلام، حتى عبر بعض المغرضين فقال: إن هذه الصحوة الإسلامية صحوة أو هي القاعدة لكن لها هامش محدود.
ويقصد بذلك أن القاعدة العريضة من الشعوب الإسلامية تريد الإسلام وتتمنى أن تحكم به، وتتمنى أن تعود إلى تاريخها المجيد، ولكن لها هامش ضيق في التطبيق العملي وفي الواقع المعاش سواءٌ فيما يتعلق بالجانب السياسي أو الجانب الحياتي عموماً.
ولكن هذه الصحوة تحتاج إلى توجيه، فهي مثل صحوة الإنسان الذي يستيقظ مباشرة؛ فإنه لا يكون متمالكاً لنفسه، ولا يستطيع أن يقف موقفاً قوياً وواضحاً، ولهذا يوجد في هذه الصحوة كثير من الأخطاء والملاحظات، ويوجد فيها ضعف يحتاج إلى تقوية، وتوجد فيها أخطاء تحتاج إلى تصحيح، وكل ذلك لا يمكن أن يتم إلا بالتصحيح وبالتعليم وبدراسة العلم النافع ومعرفة الحق واتباع هذا الحق.
قال المؤلف رحمه الله: [لكن لا بد لهذه النواة المباركة من السقي والتعهد في مساراتها كافة، نشراً للضمانات التي تكف عنها العثار والتعصب في مثاني الطلب والعمل؛ من تموجات فكرية، وعقدية، وسلوكية، وطائفية، وحزبية.
وقد جعلت طوع أيديهم رسالة في (التعالم) تكشف المندسين بينهم خشية أن يردوهم، ويضيعوا عليهم أمرهم، ويبعثروا مسيرتهم في الطلب، فيستلوهم وهم لا يشعرون].
وكتاب الشيخ هذا مطبوع وهو: التعالم وأثره في الفكر والكتاب.
ومقصود الشيخ رحمه الله أن هذه الصحوة بحاجة إلى تسديد وإصلاح وتعليم، وبحاجة إلى خلق وأدب وتزكية، وبحاجة إلى معرفة الحق واتباعه الذي هو منهج أهل السنة والجماعة، وأنتم تعلمون أن هذه الأمة افترقت إلى فرق متعددة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)، فبين أن هذه الفرق فرق هالكة وفرق متوعدة بالنار، مع أنها من جملة المسلمين، لكن هذه الفرق لم تتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم فصارت هالكة إلا واحدة، فلما سئل عنها قال: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي).
وحتى يكون الإنسان على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة فهو بحاجة إلى علم، وبحاجة إلى عمل بعيد عن الهوى والشبهات حتى يطبق هذا العلم، وحينئذ يكون من هذه الفئة المصطفاة التي وفقها الله سبحانه وتعالى للبعد عن الاختلاف والتفرق والهلاك الذي ورد في هذا الحديث.
ولهذا لا بد من التعلم، ولا بد من طلب العلم، والإنسان مهما بلغ من السن أو الوجاهة أو المكانة عند الناس لا بد له أن يطلب العلم، وطلب العلم ليس المقصود به الاستكثار من المحفوظات، في الفقه أو في العقيدة أو في أي باب من الأبواب، وإنما المقصود بالعلم العلم النافع، والفقه المقصود به الفهم، يعني: أن يفهم دين الله عز وجل على وجهه الصحيح.
وأنت قد تجد أشخاصاً كثيرين، هـ