والصحابة: جمع صحابي، والصحابي: هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو مؤمن به ومات على ذلك.
فنلاحظ أن أركان هذا التعريف ثلاثة: أولاً: أن يلقى النبي صلى الله عليه وسلم، واللقيا لا يشترط فيها أن يراه بعينه، فالأعمى إذا لقي النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يكون من الصحابة.
والأمر الثاني: أن يلقاه وهو مؤمن به، فإذا لقيه وهو كافر لم يعتبر من الصحابة.
والأمر الثالث: أن يموت وهو مؤمن، فإذا لقيه ثم كفر ومات على الكفر فإنه لا يعتبر من الصحابة.
فهذه ثلاثة ضوابط في الصحابة، فمن لقي النبي صلى الله عليه وسلم ولو مرة واحدة فإنه يعتبر من الصحابة.
والدليل على أن من لقي النبي صلى الله عليه وسلم ولو مرة واحدة يعتبر من الصحابة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف النسوة اللاتي التقين بيوسف عليه السلام لمرة واحدة بأنهن صواحبه، وذلك عندما قال لـ عائشة رضي الله عنها:(إنكن صواحب يوسف) فالصحبة يمكن أن تطلق حتى وإن كانت اللقيا لمرة واحدة؛ فينبغي التنبه لهذا الأمر.
قال ابن أبي داود رحمه الله تعالى:[وقل إن خير الناس بعد محمد وزيراه قدماً ثم عثمان أرجح ورابعهم خير البرية بعدهم علي حليف الخير بالخير منجح وإنهم الرهط لا ريب فيهم على نجب الفردوس بالنور تسرح سعيد وسعد وابن عوف وطلحة وعامر فهر والزبير الممدَّحُ وسبطي رسول الله وابني خديجة وفاطمة ذات النقاء تبحبحوا وعائش أم المؤمنين وخالنا معاوية أكرم به ثم امنح وأنصاره والهاجرون ديارهم بنصرهم عن ظلمة النار زحزحوا ومن بعدهم والتابعون بحسن ما حذوا حذوهم قولاً وفعلاً فأفلحوا وقل خير قول في الصحابة كلهم ولاتك طعاناً تعيب وتجرح فقد نطق الوحي المبين بفضلهم وفي الفتح آي للصحابة تمدح] هذا المقطع هو في باب الصحابة، ونلاحظ أنه اشتمل على مجموعة من المسائل سيأتي الحديث عنها إن شاء الله.
أولاً: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم عدول وثقات وممدوحون بحكم القرآن، كما قال: فقد نطق الوحي المبين بفضلهم وفي الفتح آي للصحابة تمدح والمقصود بهذه الآية التي قال إنها في سورة الفتح قوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا}[الفتح:٢٩] تلاحظون أن المدح هنا عام يشمل الصحابة جميعاً، قال:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ}[الفتح:٢٩] فهي ليست خاصة بفئة، فيدخل فيها المتقدمون من الصحابة الذين أسلموا في بداية دعوته، ومسلمة الفتح، ويشمل أيضاً الطلقاء، الذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم:(اذهبوا فأنتم الطلقاء)، فإن هؤلاء عندما أسلموا في بداية الأمر كانوا أضعاف الإيمان، ثم حسن إسلامهم، حتى صاروا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان بعضهم حدثاء عهد بكفر، وهذا لا يعيب أحداً؛ لأن الإنسان حين يسلم يكون حديث عهد بكفر، ثم يحسن إسلامه بعد ذلك، ثم يتدرج في مراتب الأعمال الصالحة، وفي مدارج الإيمان حتى يبلغ مراتب عالية؛ ولهذا فإن آية الفتح تشمل مدح جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دون تفصيل، قال تعالى:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا}[الفتح:٢٩] وصفهم بخمسة أوصاف، {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ}[الفتح:٢٩]، ثم ذكر مثلهم في الإنجيل:{كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}[الفتح:٢٩] والمقصود بالكفار في هذه الآية: الذين يدفنون الذرة عند الحراثة، فالكفر هو التغطية، كما قال أهل العلم، ثم ختم الآية بقوله:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}[الفتح:٢٩] فهذه الآية في مدح عموم الصحابة.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:(لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفس محمد بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) ولو راجعتم صحيح البخاري لوجدتم فيه كتاب المناقب، وتجدون فيه فضائل الصحابة، وكذلك صحيح مسلم، والسنن الأربع، وأفرد بعض أهل العلم كتباً خاصة في فضائل الصحابة ومناقبهم، مثل: ابن مندة، والإمام أحمد بن حنبل رحمه الله له كتاب خاص في فضائل الصحابة طُبِعَ في مجلدين.