[أمور لا بد لطالب العلم من مراعاتها في كل فن يطلبه]
قال: [وعليه فلابد من التأصيل والتأسيس لكل فن تطلبه بضبط أصله ومختصره على شيخ متقن لا بالتحصيل الذاتي وحده، وآخذاً الطلب بالتدرج، قال الله تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا} [الإسراء:١٠٦]].
من حكم نزول القرآن مفرقًا: التفهم، وإدراك معانيه بشكل جيد.
قال: [وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان:٣٢]، وقال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ} [البقرة:١٢١].
فأمامك أمور لابد من مراعاتها في كل فن تطلبه: الأول: حفظ مختصر فيه.
الثاني: ضبطه على شيخ متقن].
(حفظ مختصر فيه) افترض أنك تريد أن تدرس كتاباً من كتب العقيدة، فبدأت بالواسطية، فينبغي أن تحفظ الواسطية، هل تحفظها قبل أن تبدأ في الدرس؟ هذا لا شك أنه أمر مستحسن، حتى إذا قرأت النص في الدرس كنت تعرفه معرفة جيدة، فإذا قرئ مرة أخرى، فإن الفائدة التي ستستفيدها ستكون أكبر؛ لأن الإنسان عندما يقرأ كتاباً لمرة واحدة يستفيد منه فوائد، وتفوت عليه أشياء، فإذا قرأه للمرة الثانية سيستدرك فوائد أخرى لم يكن استفادها من قبل، وتفوت عليه أشياء، وهكذا في كل مرة سيستفيد أكثر.
إذاً خذ مختصراً من المختصرات في أي علم من العلوم التي سوف تدرسها سواء في العقيدة أو الفقه أو النحو أو أي باب من الأبواب، ثم احفظ المختصر فيه.
ثم بعد أن تحفظ المختصر تضبطه على شيخ متقن؛ لأن قراءتك له قد تكون غير سليمة وغير صحيحة، لكن عندما تضبط كتابك فإنك حينئذ ستكون قد أصلحت ما فيه من الخطأ.
ولهذا ينبغي على طالب العلم أن يكون له كتاب في أي علم من العلوم يستمر معه، نحن مع الأسف إذا سمعنا أن هناك درساً مثلاً في كتاب لمعة الاعتقاد أخذنا نسخة، ثم إذا سمعنا عن درس آخر في اللمعة بعد سنة أو سنتين نأخذ نسخة جديدة، لماذا لا تكون لك نسخة محددة تضبطها بشكل دائم من ناحية الإعراب والنطق، على شخص متخصص متقن يعرف المواد من الكلمات.
قال: [الثالث: عدم الاشتغال بالمطولات، وتفاريق المصنفات قبل الضبط والإتقان لأصله].
نعم، لابد أن تضبط الأصل قبل أن تقرأ في الفروع؛ لأنك إذا اشتغلت بالقراءة في الفروع ستخرج لديك معلومات متناثرة غير محققة وغير دقيقة، وستصبح مثقفاً لكن لن تصبح طالب علم، فضلاً عن أن تصبح عالماً؛ لأن طالب العلم هو المتخصص المتقن للشيء الذي يتكلم فيه، أما المثقف فهو الذي لديه معلومات يمكن أن يتكلم في أي شيء من الأشياء لكن بكلام عام غير دقيق، ولهذا قد يخبط بعض المسائل في بعض.
قال: [الرابع: لا تنتقل من مختصر إلى آخر بلا موجب، فهذا من باب الضجر].
والضجر لا يليق بطالب العلم؛ لأن طالب العلم الضجر هو الذي يتنقل من الكتب والدروس والقراءة، وهذا لن يصل إلى مبتغاه.
قال: [الخامس: اقتناص الفوائد والضوابط العلمية].
كل باب من الأبواب فيه ضوابط وقواعد وأصول، وتجد أن هذه القواعد والضوابط مكررة، فإذا ضبطتها وحفظتها وأتقنتها، ستنفعك في كل الكتب التي تواجهك في نفس الموضوع.
مثلاً: باب الصفات فيه قواعد محددة، وضوابط معينة، إذا أتقنتها فأي كتاب من كتب الصفات يمر عليك لابد أن ترجع هذه الفروع إليها، مثل: كلامنا عن أقسام الصفات، الصفات الذاتية، والصفات الفعلية، والضابط لكل صفة من هذه الصفات، والقاعدة في الجمع بين الإثبات ونفي التشبيه، ومعنى هذه القاعدة، والضابط في موضوع التشبيه، والكلام على القدر المشترك، وضبط القدر المشترك، ومعناه، وبعض الأحيان تكون صفة واحدة مجموع فيها ضوابط وقواعد، مثل: صفة كلام الله عز وجل، فيها قواعد خاصة، مثل حقيقة كلام الله سبحانه وتعالى، وهل هو اللفظ أو المعنى؟ ومعنى: إثبات كلام الله عز وجل، وأنه بحرف وصوت، وأدلة هذا.
هذه أشياء تتكرر معك في كل باب من الأبواب التي تواجهها في كتب العقيدة، ستجدها في الطحاوية والسفارينية والأسماء والصفات للبيهقي، وأنت بحاجة إليها مستمرة ودائمة، فاقتناص الضوابط والقواعد من حذق طالب العلم وذكائه وفهمه، فينبغي الاهتمام بهذه القضية.
قال: [السادس: جمع النفس للطلب والترقي فيه، والاهتمام والتحرق للتحصيل والبلوغ إلى ما فوقه حتى تفيض إلى المطولات بسابلة موثقة.
وكان من رأي ابن العربي المالكي ألا يخلط الطالب في التعليم بين علمين، وأن يقدم تعليم العربية والشعر والحساب، ثم ينتقل منه إلى القرآن، لكن تعقبه ابن خلدون: بأن العوائد لا تساعد على هذا، وأن المقدم هو دراسة القرآن الكريم وحفظه؛ لأن الولد ما دام في الحجر ينقاد للحكم، فإذا تجاوز البلوغ صعب جبره.
أما الخلط في التعليم بين علمين فأكثر فهذا يختلف باختلاف المتعلمين في الفهم والنشاط].