[معية الله لخلقه في الأحاديث وبيان أنها لا تنافي العلو]
قال: [وقوله: (أفضل الإيمان أن تعلم أن الله حيثما كنت) حديث حسن].
بدأ الآن بالأحاديث الواردة في المعية ليبين أن العلو ثابت لله، والمعية ثابتة له، وليس هناك تناقض بينهما على نحو ما تقدم.
قال: [وقوله: (إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصقن قبل وجهه ولا عن يمينه، فإن الله قبل وجهه، ولكن عن يساره، أو تحت قدمه) متفق عليه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم رب السماوات السبع والأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عني الدين، وأغنني من الفقر) رواه مسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم لما رفع الصحابة أصواتهم بالذكر: (أيها الناس! أربعوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنما تدعون سميعاً بصيراً قريباً، إن الذين تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) متفق عليه].
ثم تحدث شيخ الإسلام رحمه الله عن هذه القضية بشكل مفصل، وعن وجوب الإيمان باستواء الله على عرشه.
ثم قال: [وقد دخل في ما ذكرناه من الإيمان بالله: الإيمان بما أخبر الله به في كتابه، وتواتر عن رسوله، وأجمع عليه سلف الأمة من أنه سبحانه فوق سماواته على عرشه، علي على خلقه، وهو سبحانه معهم أينما كانوا، يعلم ما هم عاملون، كما جمع بين ذلك في قوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد:٤].
وليس معنى قوله: ((وَهُوَ مَعَكُمْ)) أنه مختلط بالخلق؛ فإن هذا لا توجبه اللغة، وهذا خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة، وخلاف ما فطر الله عليه الخلق، بل القمر آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته، وهو موضوع في السماء وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان].
هذا استدلال عقلي على أن المعية لا تقتضي الخلطة.
قال: [وهو سبحانه فوق عرشه، رقيب على خلقه، مهيمن عليهم، مطلع عليهم، إلى غير ذلك من معاني ربوبيته].
إذاً: معية الربوبية مفهومها واحد، يدخل في ذلك معية العلم والتدبير والخلق والتأثير والإيجاد والمنع، فهو سبحانه وتعالى معهم متحكم فيهم، وهو ربهم سبحانه وتعالى.
قال: [وكل هذا الكلام الذي ذكره الله من أنه فوق العرش، وأنه معنا حق على حقيقته لا يحتاج إلى تحريف، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة، مثل أن يظن أن ظاهر قوله: ((فِي السَّمَاءِ))؛ أن السماء تظله أو تقله، وهذا باطل بإجماع أهل العلم والإيمان، فإن الله قد وسع كرسيه السماوات والأرض، وهو يمسك السماوات والأرض أن تزولا، ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره.
وقد دخل في ذلك الإيمان بأنه قريب مجيب، كما جمع بين ذلك في قوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة:١٨٦].
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته).
وما ذكر في الكتاب والسنة من قربه ومعيته لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته؛ فإنه سبحانه ليس كمثله شيء في جميع نعوته، وهو عليٌّ في دنوه، قريب في علوه].
هذا ما يتعلق بمسألة العلو والاستواء والمعية والقرب، وأنه لا تناقض بين هذه جميعاً، ونحن نثبتها لله سبحانه وتعالى.