[عقيدة أهل السنة في الإمامة وطاعة أولياء الأمور]
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: [ومن السنة: السمع والطاعة لأئمة المسلمين].
والمقصود بأئمة المسلمين هنا حكام المسلمين، فلا بد أن يسمع لهم وأن يطاعوا إذا أقاموا الدين.
قال رحمه الله: [السمع والطاعة لأئمة المسلمين وأمراء المؤمنين، برهم وفاجرهم، ما لم يأمروا بمعصية الله، فإنه لا طاعة لأحد في معصية الله].
هذا الباب هو باب الإمامة، والإمامة باب كبير من أبواب العقيدة، يشتمل على مجموعة من المسائل، منها كيفية انعقاد الإمامة، ومنها حكم الإمامة، ومنها تعدد الأئمة، ومنها مسألة الشورى، وهذه قد يسميها بعض العلماء الأحكام السلطانية، يعني: الأحكام التي تتعلق بالسياسة, أو تسمى: السياسة الشرعية، ولها جوانب عقدية وجوانب فقهية.
فمن الجوانب العقدية المهمة هي قضية السمع والطاعة لأئمة المسلمين، فإنه يجب على المسلمين أن يسمعوا ويطيعوا لحكامهم الذين يقيمون الدين حتى لو كانوا فجاراً، فلو كان الحاكم فاجراً ظالماً فإنه يجب السمع له والطاعة في طاعة الله، ولا ينتقض السمع والطاعة بالنسبة للحاكم إلا إذا كفر بالله، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذكر الحكام الذين يأتون في آخر الزمان، قال: (تعرفون منهم وتنكرون.
فقالوا: ألا نناجزهم؟ -يعني: ألا نقاتلهم بالسيف- قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، ما أقاموا الصلاة) وفي بعض الروايات: (ما لم تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان).
فإذا كان هناك كفر بواح عندنا فيه من الله برهان فإنه لا يجوز السمع والطاعة في مثل هذه الحالة، أما إذا كان فاجراً عاصياً ظالماً، يأكل أموال الناس بالباطل، ويسجن المسلمين بدون وجه حق ويؤذيهم، ويعمل أعمالاً فاسدة كأن يزني ويشرب الخمر، فإن هذه لا تعتبر مكفرات ما لم يستحلها، وقد سبق أن تحدثنا عن أثر المعاصي في الإيمان، وقلنا: إنه لا يكفر الإنسان بالمعاصي دون الشرك ما لم يستحلها، أما إذا كانت شركاً أو كفراً فإنها نقض للإيمان، وقد سبق أن أشرنا إلى نواقض الإيمان بشكل عام، لكن السمع والطاعة لا يكونا إلا في طاعة الله.
قوله: (ما لم يأمروا بمعصية الله؛ فإنه لا طاعة لأحد في معصية الله) أي: لأنه جاء في الحديث: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) وهذه من قواعد العلم الكبار، فإنه لا طاعة لمخلوق حتى لو كان أباً أو أماً، صغيراً أو كبيراً، في معصية الله عز وجل، فلو أمر بأمر فيه معصية ظاهرة مثل: أكل الربا، أو أكل أموال الناس بالباطل، فإنه لا يقال: إن هذا ولي أمر المسلمين تجب طاعته؛ لأن هذه معصية، والمعصية لا يطاع فيها.
نحن نختلف في هذه المسألة مع الخوارج ومع المعتزلة، فإن الخوارج والمعتزلة عندهم أصل من أصول الدين يسمونه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن مقتضياته قتال أئمة الجور والخروج عليهم، يعني: أئمة الظلم، وقد كان هذا مذهباً في بداية الأمر لبعض أهل السنة، لكن أهل السنة كما حكى ابن تيمية رحمه الله لما رأوا ما ترتب على الخروج على أئمة الجور باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الفساد العام وكثرة إراقة الدماء، وعدم الوصول إلى نتائج مثمرة، أجمعوا على عدم جواز الخروج على أئمة الجور حتى لو ظلموا، لكن لا يطاعون في معصية الله، ويطاعون في طاعة الله سبحانه وتعالى.
ولهذا ينبغي أن ندرك المشكلة التي يعاني منها الكثير في هذا الزمان، وهي أن البعض يبالغ في طاعة ولي الأمر إلى درجة أنه يكاد يقول للناس: أطيعوه في الحرام، يعني: قد يسأل بعض الناس عن مسألة محرمة فرضها ولي الأمر، فيقال: تجب طاعته! وهذا من الظلم، إذ كيف تطيع ولي الأمر وتعصي الله عز وجل؟ هذا لا يقوله أحد من أهل العلم وممن عرف العلم.
ونجد طائفة أخرى متوسعة في مسألة العصيان إلى درجة كبيرة جداً.
والحق أن يكون الإنسان متوسطاً في هذه المسألة، ومشكلات الواقع المتعلقة بالسياسة الشرعية والأحكام السلطانية يمكن أن تضبط، وهناك أشياء راجعة إلى التقدير، يعني: تقدير هل هذا الأمر حصل فيه كفر؟ وهل هذا المعين انطبق عليه الكفر؟ ونحو ذلك هذا الأمر الذي يرجع إلى التقدير ينبغي أن يكون أمر الناس فيه شورى، وخصوصاً مع أهل العلم الذين يستنبطون العلم من مسائله ومن أصوله الشرعية.
قال رحمه الله: [ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به أو غلبهم بسيفه، حتى صار خليفةً وسمي أمير المؤمنين، وجبت طاعته، وحرمت مخالفته والخروج عليه، وشق عصا المسلمين].
وهذا أمر يدل عليه النص والإجماع: أما النص: ففي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وإن تأمر عليكم) يعني: لستم أنتم الذين أمرتموه، وإنما تأمر غصباً، قال: (وإن تأمر عليكم عبد حبشي) لأن العبد الحبشي ليس من المرشحين للإمامة؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الأئمة من قريش) فليس مرشحاً للإمامة، لكن قال: (وإن تأمر عليكم حبشي، فاسمعوا له وأطيعوا) ويجمع هذا مع الأحاديث الأخرى: (ما أقاموا الصلاة) ومع ح