ونحن اليوم مع الأسف نعيش في زمن انفتحت فيه الثقافات بعضها على بعض من خلال الاتصالات، ومن خلال المواصلات، ومن خلال الإنترنت، ومن خلال الغزو الفضائي، من خلال السيطرة العالمية على أمة الإسلام، فأصبح في الأمة كثير من المناهج والأفكار، هذا على مستوى الأمة عموماً، وحتى على مستوى الصالحين الذين يسمون إعلامياً (إسلاميين)، والإسلاميون اليوم لديهم كثير من المناهج والآراء والأفكار، وفي كل فترة من الفترات تسمع عن أفكار وآراء جديدة يتبناها أشخاص يحسبون على الدعوة الإسلامية، وهي في غاية الغرابة وفي منتهى الغرابة! وهم مع الأسف أيضاً يوجد لهم أتباع، والسبب في هذا يعود إلى عدم وجود تأصيل علمي حقيقي في أوساط شباب الدعوة الإسلامية، فأصبح الكثير يعتمد على العاطفة المجردة، وأصبح الكثير يعتمد على التقليد، فيقلد فلاناً من أهل العلم، أو فلاناً من المثقفين، أو فلاناً من الكتاب، أو فلاناً من الوعاظ، ولهذا إذا اختلفوا اختلف الدعاة، وإذا اتفقوا اتفق الدعاة، وهذا من الخطأ، ولهذا يتميز منهج أهل السنة عن غيره من المناهج أن أصحابه لا يعتمدون على التقليد، وإنما يعتمدون على فهم مقاصد هذا الدين فهماً صحيحاً، والالتزام بها، وكل صغيرة وكبيرة وكل شاردة وواردة وكل فتنة وكل مشكلة تحصل في حياة المسلمين فإن لها حكماً شرعياً، وفي بعض الأحيان يكون هذا الحكم من الوضوح بمكان، لكن كثيراً من الناس لعدم فقهه ولعدم فهمه ولعدم إدراكه لا يفرقون بين المسائل القطعة والمسائل الظنية، ولا يفرقون بين مسائل الإجماع ومسائل الخلاف، وما يسوغ فيه الخلاف وما لا يسوغ فيه الخلاف، وكيف يمكن للإنسان أن يتعامل مع هذه الفتنة، وكيف يمكن له أن يتعامل مع أهل العلم ومع طلاب العلم ونحو ذلك، وكثير من القضايا اليوم مع الأسف غائبة؛ بسبب عدم التأصيل العلمي لدى الشباب.
ففي كل فترة من الفترات تظهر لنا فكرة جديدة، فمثلاً من الأفكار التي بدأت تظهر في السنوات الأخيرة فكرة الرؤى والمنامات التي بدأ كثير من الناس يشطح فيها شطحات عجيبة جداً، إلى درجة أنه يكاد يكون بعض المعبرين كهنة في الحقيقة، فبعضهم يتعلق بالأوهام، ولهذا تجد كثيراً من الناس محطمين مع الأسف، والمفترض في المؤمن أنه لا يكون محطماً ولا يكون ضعيفاً حتى ولو غلب الكفار، وحتى ولو كانت لهم سيطرة، وحتى ولو كان لهم وجود كبير في العالم أقوى من وجود المسلمين، وحتى ولو كان لهم تأثير، فيبقى أن أهل الإسلام لديهم من العزة والقوة النفسية ما يتميزون به عن غيرهم من أصحاب الأديان والمناهج والفلسفات الأخرى.
فالرؤى والأحلام اليوم صارت مشكلة، وصار كثير من الناس يفسر الأحاديث النبوية في قضايا الفتن والملاحم وما يتعلق بها تفسيراً مبنياً على الأحلام، فكما أن مسائل الرقى والقراءة على المرضى الذين فيهم سحر، أو الذين لديهم عين أو نحو ذلك صار فيه انحرافات كبيرة عند بعض القراء، وتوصلوا إلى درجة أن صاروا قريبين من المخرفين، ويقولون: نحن نتعاون مع الجن المسلمين ونحو ذلك من الأشياء الغريبة! مع أن فكرة التعاون مع الجن المسلمين قد تحدث عنها أهل العلم قديماً لكن بشكل عام، وأما الواقع الموجود فكثير من الناس تتلاعب بهم الشياطين، ويقولون: نحن نتعامل مع الجن المسلمين في علاج المرضى، فكما أن هذا وقع فيه انحراف كبير فأيضاً وقع في موضوع الرؤى والأحلام والمنامات كثير من الخرافات وكثير من الآراء العجيبة، فبدأ كثير من الناس يقول: إن حاكم العراق هو السفياني الذي ورد في الحديث، وينسى أن الحديث موضوع، فأهم شيء أنه ورد في الحديث وانتهى الموضوع، وأصبح كثير من المرتزقة الذين يريدون الأموال ويريدون العبث بعواطف الناس يؤلفون كتباً في معركة هرمجدون؛ لأنها معركة مشهورة، ثم يجمع من الأحاديث الباطلة والموضوعة والخرافات وغرائب الأخبار وينشرها على أنها هي الإسلام الصحيح الذي يجب على الإنسان أن يعتقده، وبعض الناس أصبح المصدر الأساسي له في فهم الواقع وفي إدراكه وفي التعامل مع مجريات الأحداث هي منتديات الإنترنت، فيدخل هذا المنتدى وهذا المنتدى ويقرأ لهذا ويقرأ لذاك وكثير منهم قد يكون من النصارى، أو قد يكون بعضهم من أصحاب الطوائف المنحرفة يتقمص شخصية داعية ربما يكون مجاهداً أو صالحاً أو نحو ذلك، ثم ينشر في الناس عقائد فاسدة.
ولو أننا قارنا بين انتشار الفرق والعقائد الفكرية القديمة وكيفية تغلغل الأديان المنحرفة الأخرى -خصوصاً اليهود والنصارى ونحوهم- في محاولة إفساد الأمة الإسلامية لوجدنا نفس القضية تدور الآن لكن بطرق وبأشكال مختلفة، فهذه العقول الكثيرة من شباب الدعوة الإسلامية كيف تضبط من الانحراف، هذه العقول المنتشرة الآن على خارطة العالم الإسلامي كله كيف يمكن لنا أن نحفظها من الزلل، وأن نحفظها من البدع، سواء كانت هذه البدع قديمة أو جديدة؛ لأنه بعض الأحيان قد ينتسب شخص إلى عقيدة صحيحة مثل عقيدة أهل السنة والجماعة ولا يعرف من البدع إلا البدع التي تكلم عنها العلماء قديماً، لكن البدع الجد