[تكذيب الله لمن أنكر أن القرآن من كلامه عز وجل]
قال المؤلف رحمه الله: [وقوله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:٨٨]، وهو هذا الكتاب العربي الذي قال فيه الذين كفروا: {لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ} [سبأ:٣١]، وقال بعضهم: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر:٢٥]].
وفي هذا مشابهة مع قول الأشاعرة، فالأشاعرة قالوا: إن القرآن هو كلام الله سبحانه وتعالى، وهو كلام واحد معنوي، وليس بحروف ولا صوت، فقلنا لهم: والكلام هذا المفصل بين أيدينا؟ قالوا: الكلام هذا إما من كلام جبريل، أخذ المعنى من الله عز وجل ثم تكلم به بهذه العبارات الموجودة، فهو تعبير من جبريل، وإما من محمد صلى الله عليه وسلم.
ونحن نعلم أن محمداً وجبريل مخلوقان، ففي هذا القول مشابهة لقول المشركين: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر:٢٥] لأن هذا القرآن بحروفه وأصواته ومعانيه هو كلام الله سبحانه وتعالى، ولهذا كان معجزة لم يستطع أحد أن يأتي بسورة من مثله، فضلاً عن عشر سور، فضلاً عن أن يأتي بمثله كاملاً.
قال المؤلف رحمه الله: [وقال بعضهم: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر:٢٥]، فقال الله سبحانه: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر:٢٦]].
وهذا يدل على خطورة هذه العقيدة؛ لأنه قال: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر:٢٦].
قال المؤلف رحمه الله: [وقال بعضهم: هو شعر، فقال الله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} [يس:٦٩] فلما نفى الله عنه أنه شعر وأثبته قرآناً لم يبق شبهة لذي لب في أن القرآن هو هذا الكتاب العربي الذي هو كلمات وحروف وآيات، لأن ما ليس كذلك لا يقول أحد: إنه شعر.
وقال عز وجل: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [البقرة:٢٣] ولا يجوز أن يتحدى بالإتيان بمثل ما لا يدري ما هو ولا يعقل.
وقال تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} [يونس:١٥] فأثبت أن القرآن هو الآيات التي تتلى عليهم].
أي: ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم وإلا لاستطاع أن يبدله من تلقاء نفسه، ولكن لأنه ليس من كلامه فليس له أن يبدله من تلقاء نفسه.
قال المؤلف رحمه الله: [وقال تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:٤٩]، وقال تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:٧٧ - ٧٩] بعد أن أقسم على ذلك، وقال تعالى: {كهيعص} [مريم:١] {حم * عسق} [الشورى:١ - ٢] وافتتح تسعة وعشرين سورة بالحروف المقطعة].
ومن معاني هذه الحروف المقطعة كما ذكر أهل العلم -وهو أقوى قول فيها- أن المقصود بها أن الله عز وجل ذكر هذه الحروف ليبين للكفار الذين تحداهم بهذا القرآن، أن هذا القرآن من جنس هذه الحروف، وأنكم قادرون على تركيب كلمات من هذه الحروف، ومع ذلك لم تستطيعوا أن تأتوا بمثل هذا القرآن أو بمثل سورة منه، مما يدل على أن هذا القرآن هو من كلام الله عز وجل وليس من قول البشر، ولا من قول محمد صلى الله عليه وسلم.
قال المؤلف رحمه الله: [وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف منه عشر حسنات، ومن قرأه ولحن فيه فله بكل حرف حسنة) حديث صحيح.
وقال عليه الصلاة والسلام: (اقرءوا القرآن قبل أن يأتي قوم يقيمون حروفه إقامة السهم لا يجاوز تراقيهم، يتعجلون أجره ولا يتأجلونه).
وقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما: إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه.
وقال علي رضي الله عنه: من كفر بحرف منه فقد كفر به كله.
واتفق المسلمون على عد سور القرآن وآياته وكلماته وحروفه.
ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفاً متفقاً عليه أنه كافر، وفي هذا حجة قاطعة على أنه حروف].