تحدث ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية كثيراً عن هذه الصفة لأهميتها، فنبدأ أولاً بنقل الآيات الواردة في هذا الموضوع.
وقبل ذلك نقول: من ضمن الأمور المشكلة على نفاة العلو الآيات الواردة في إثبات المعية والقرب، مثل:{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}[الحديد:٤] فهذه الآيات المقصود بالمعية فيها معية العلم والقدرة والتصريف والتدبير، وليس في هذا تأويل، وإنما هذا هو مقتضى كلام الله عز وجل، فكل آية من الآيات الواردة في المعية فيها ما يدل على أن المعية ليست معية بذات الله عز وجل وصفاته، بل هو سبحانه وتعالى في السماء عالٍ على خلقه، مستوٍ على عرشه، وهو معهم يعلم دقائق أحوالهم، وهو قادر على كل شيء فيهم، وهو سبحانه وتعالى مسيطر عليهم، وهم تحت حكمه، وهم تبع له سبحانه وتعالى.
ثم إن المعية تنقسم إلى قمسين: معية عامة: مثل معية الله عز وجل لجميع المخلوقات، فهذه المعية تقتضي العلم والتصريف والتدبير والخلق والتأثير، وما يتبع ذلك من معاني الربوبية.
ومعية خاصة: وهي معيته للمؤمنين، مثل قوله:{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}[النحل:١٢٨] فهذه الآية ليست مثل المعية العامة {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}[الحديد:٤] أو غيرها من الآيات التي وردت في المعية العامة، وإنما هذه معية خاصة تتضمن زيادة على معاني الربوبية السابقة بأنه معهم بنصره وتأييده سبحانه وتعالى، وأن الله عز وجل كما قال لموسى وهارون:{إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}[طه:٤٦] لم يقل معكما بذاتي، وإنما قال:{مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}[طه:٤٦] يعني: يسمع ما يقول فرعون، ويعلم ما يتكلمون به، وهو قادر سبحانه وتعالى على التأثير، وهو قادر على الخلق وكلهم تحت ربوبيته وقهره سبحانه وتعالى؛ يتصرف فيهم كيف يشاء سبحانه وتعالى.