أما موضوع الإيمان فحقيقته على نحو ما سبق، أي أن الإيمان تصديق القلب، وهذا لا يخالف فيه أحد إلا الجهمية الذين قالوا: إن الإيمان هو مجرد المعرفة، ومسألة دخول عمل القلب وعمل الجوارح ونطق اللسان هو الذي وقع فيه النزاع المشهور بين أهل السنة من جهة، والمرجئة من جهة أخرى.
وقد ذكر البخاري رحمه الله ذلك، قال: لقيت أكثر من ألف من العلماء، من أهل مصر والعراق، والشام، والحجاز، واليمن، والمغرب، كلهم يقول: إن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص.
وأهل السنة عندما اتفقوا على هذا الأمر، اتفقوا على أقصر عبارة في الإيصال للمدلول، وهو قولهم: قولٌ وعمل، فمن حصر الإيمان في القول فقد أخرج نصف الدين، ومن حصر الإيمان في العمل فقد أخرج النصف الآخر وهو القول، فالإيمان مركب من القول والعمل، وهذا التركيب تركيب ممزوج بعضه مع بعض؛ ولهذا عندما نفصل ونقول: قول اللسان وعمل الجوارح، واعتقاد القلب، فهذا لا يعني أن كل جزء من هذه الأجزاء منفصل عن الآخر، بل الإنسان هو جزءٌ واحد، لكن التقسيم العلمي اضطرنا للتبيين بهذه الطريقة؛ لأن الإنسان إذا صلى مثلاً، هل الصلاة عبادة بالجوارح فقط؟ لا، يدخل فيها عبادة اللسان؛ فلا يصح أن يصلي الإنسان بدون أن يقرأ الفاتحة، وقراءة الفاتحة تكون باللسان.
هل يمكن للإنسان أن يصلي دون أن يكون في قلبه خوف من الله وإرادة وتوجه إلى الله؟ لو لم يكن في قلبه توجه إلى الله ونية تتعلق بأن تكون هذه الصلاة لله عز وجل لما كانت مقبولة؛ ولهذا فالإنسان مجموع متكامل، لكن عندما نأتي في تقرير المسائل العلمية نبين هذه التفصيلات، ثم نبين أن بينها ارتباطاً، فالإيمان قول وعمل، وكل قسم من هذين القسمين مرتبط بالآخر؛ ولهذا جاء في بعض نصوص السلف: لا قول إلا بعمل، ولا عمل إلا بقول.
وزاد بعض السلف في التعريف: الإيمان قول وعمل ونية؛ لأن النية عمل القلب فأرادوا إبرازه؛ لأنهم خشوا أن ينصرف الذهن عند تعريف الإيمان إلى أنه قول وعمل، فينصرف الذهن إلى أن القول قول اللسان والعمل عمل الجوارح، فيفهم أن القلب لا يتعلق به شيء من مسائل الإيمان فزادوا النية.
ولهذا فمن عبارات السلف في الإيمان: الإيمان قول وعمل، الإيمان قول وعمل ونية.
الإيمان قول وعمل ونية واتباع للسنة، الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان، هذه العبارات مختلفة في الظاهر لكنها متفقة في الحقيقة، فهي كما يقولون: مثل تعبيرات الصادقين عن حقيقة واحدة.
أنت عندما تسأل مجموعة من الصادقين عن طريق مكة مثلاً، يعبرون بتعبيرات مؤداها واحد، لكن طرقها مختلفة، فالجميع وصل إلى نتيجة واحدة، لكن التعبير اختلف، فينبغي إدراك هذا المعنى، وهذا ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه العظيم الإيمان.
والإيمان يزيد وينقص، وقد دلت نصوص كثيرة جداً على أن الإيمان يزيد وينقص، وستأتي قراءتها بإذن الله.