للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[كيفية تطبيق مبدأ الموازنة بين الحسنات والسيئات]

السؤال

بعض العلماء المعاصرين لا يأخذون بمبدأ الموازنة بين الحسنات والسيئات، بل يقومون بتجريح المخطئ انطلاقاً من قاعدة: أن الجرح مقدم على التعديل، وقد يؤلفون المؤلفات في إسقاط بعض الألفاظ والأعمال لبعض الطوائف المبتدعة، فما رأيكم؟

الجواب

مبدأ الموازنة بين الحسنات والسيئات ليس على إطلاقه في كل موضع وفي كل شخص، وإنما الصحيح أن الموقف من الآراء والأفكار المخالفة للسنة يختلف باختلاف الشخص وباختلاف الوقت وباختلاف الحال، ولهذا فرق العلماء بين المبتدع الداعي لبدعته، والمبتدع الذي لا يدعو لبدعته، كذلك هناك فرق بين المبتدع الذي بدعته مؤثرة ورائجة في الناس، وبين المبتدع الذي بدعته مقصورة عليه ولا يستجيب لها أحد، وهناك فرق أيضاً بين المبتدع الذي يبتدع بدعة في قضية عامة تشغل الناس وتتعلق أنظار الناس بها، وبين من يتكلم بكلام عابر ثم يكون ضمن كلامه بدعة يقول بها، ولهذا مثل هذه الأشياء توزن بميزان المصلحة والمفسدة، وهذا الميزان لا يستخدمه بشكل جيد إلا أهل العلم، فهم الذين يستطيعون أن يزنوا الأمور بميزان المصلحة والمفسدة، فبعض الأحيان قد يكون من المصلحة أن تنتقد صاحب هذه البدعة وألا تذكر له حسنة؛ لأنه ليس المجال مجال ذكر الحسنات، ولهذا نجد كلام شيخ الإسلام رحمه الله مختلفاً من كتاب إلى كتاب، ومن حالة إلى حالة، ومن مسألة إلى مسألة، وكل ذلك بحسب الظرف والوقت والحال والشخص والتأثر، فهناك اعتبارات أخرى، فليس هناك لهذه القضية قاعدة واحدة يمكن لكل الناس أن يطبقها في كل الأحوال، وإنما هي تختلف بحسب الحال، ولهذا نجد بعض الناس مثلاً يأخذ بمبدأ الموازنة بين السيئات والحسنات، فيأتي إلى شخص ينشر بدعته على الناس جميعاً ثم يقول: لابد أن نوازن بين الحسنات والسيئات وألا نرد عليه إلا بذكر حسناته، وهذا غير لازم، فنحن عندما نقرأ كلام أهل العلم لا نجد أنهم في كل حال يذكرون حسنات هؤلاء، وإنما بحسب الحال، مثلاً ابن تيمية عندما يرد على الأشاعرة، في بعض الأحيان يغلظ عليهم حتى يقول: إنهم مخانيث المعتزلة، ولا يذكر لهم في ضمن كلامه في تلك اللحظة ثناء، لكنه عندما يتكلم على النصارى والرد على النصارى، تجده يذكر مواقف علماء الأشاعرة في الرد عليهم ويثني عليهم في ردودهم، فتجد أن الحال يختلف من هنا إلى هناك، لذلك قد تجلس مثلاً مع أشخاص معجبين برأي من الآراء وتريد أن تغلظ حتى تبين أن هذا القضية غير صحيحة وأنها خطأ، وبعض الأحيان قد تجد شخصاً متشدداً في موضوع من الموضوعات، فهذه القضية راجعة إلى مسألة المصالح والمفاسد وحكمة الداعية، لكن الأصل هو أن الإنسان يبتعد عن تجريح الخلق إلا إذا كان عنده علم، وإذا لم يكن لديه علم فلا يشتغل بالنقد وإيذاء الخلق بدون علم، وأحياناً قد تجد أن المسألة اجتهادية يضعها إنسان وكأنها مسألة من مسائل الكفر وهذا لا يجوز، بل يجب على الإنسان أن يكون عاقلاً متزناً لا يتكلم إلا بعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>