[التفريق بين الزهد الحقيقي والزهد الزائف]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعن محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله تعالى لما قيل له: ألا تصنف كتاباً في الزهد؟ قال: قد صنفت كتاباً في البيوع، يعني: الزاهد من يتحرز عن الشبهات والمكروهات في التجارات، وكذلك في سائر المعاملات والحرف ا.
هـ وعليه فليكن معتدلاً في معاشه بما لا يشينه، بحيث يصون نفسه ومن يعول ولا يرد مواطن الذلة والهوان].
ولهذا ينبغي على الإنسان أن يجتهد في أن يكون معتدلاً -كما قال الشيخ- في لباسه، وفي أكله، وفي شربه، فيكون بين الثراء الفاحش الذي لا داعي ولا مبرر له، وبين من يهين نفسه ويحقرها بشكل غير صحيح.
وأعظم من حاول إفساد هذا المصطلح السني الكبير -وهو الزهد- الصوفية؛ ولهذا فمن طوائف الصوفية طائفة يقال لها: الملامتية، فالملامتية أو الملامية يظهرون أمام الخلق أموراً تشينهم، فقد ينام أحدهم في الزبالة، وقد ينام مع كلب، وقد يظهر بعض الأحيان أموراً تزعج الناس بحجة أنه يريد أن يدفع عن نفسه شبهة الرياء، ولهذا كان أحد كبار الصوفية -كما ترجم له الشعراني في الطبقات- يسمى إبراهيم العريان، وسموه العريان؛ لأنه كان يأتي ويخطب الناس عرياناً، وقد وقف في يوم من الأيام على الناس وهو عريان فقال: السلطان ودمياط، وباب اللوق بين الصورين، ويذكر أشياء من هذا القبيل.
ويروى أنه كان يرى في اليوم الواحد وهو يخطب في أكثر من مكان في نفس الوقت، فقد كانوا يستخدمون السحر في هذا، ويعتبرون هذه كلها من الكرامات، وقد بعضهم يكذب.
ويحدث واحد من الإخوة أنه زار بلاد الجابون، وأنه كان هناك أحد كبار الصوفية لا يصلي مع الناس الجماعة، ويقول: إنه يصلي كل يوم من رمضان في الحرم، وإنه التقى بموسى عليه السلام في الطواف، وإنه في المسعى التقى بإبراهيم، وإن إمام الحرم أخطأ فما رد عليه أحد إلا هو، فجاءه جبريل من السماء وقال له: إن الله يشكرك على هذا العمل الذي قمت به، وهو أنك رددت على الإمام عندما أخطأ، ويقول: إن الذي ينقله من هناك إلى الحرم هو البراق ينزل به جبريل من السماء! فهناك خرافات كثيرة هذا نموذج منها، وقد حطمت كثيراً من مقومات المسلمين وجعلتهم فرصة مناسبة للاستعمار، والكلام عن الصوفية كثير جداً، فقد فهموا من الزهد الزهد الظاهري فقط، بل إنهم دخلت لهم فلسفات الأمم الأخرى مثل الزهد الهندي، فالهنود كانوا يعتمدون في الزهد على رياضات نفسية جاء بها بوذا، فكانوا يعذبون الجسد حتى يصفوا الروح ويصلوا إلى درجة النيرفانا كما يسمونها، وهي الحياة السعيدة المثالية.
وأما الزهد عند أهل السنة فهو زهد القلب فيما حرم الله سبحانه وتعالى، ويترتب على هذا في الظاهر أن يزهد الإنسان في المحرمات.
ومع الأسف أن الصوفية عندما دخلت في حياتهم الأموال، وبقي عندهم شيء من التفكير في الزهد أصبح كثير من الناس يأتي في رمضان فتجد السجدة في وجهه، وتجد معه مسبحة طويلة، وهو في الصف الأول، فتجده يسبح بألوان متعددة من البدع ويكثر من التسبيح وبناته في الدول الغربية يعاقرن الخمر، ويجلسن مع الغربيين، وأولاده كذلك، وأمواله في بنوك الربا يأكل عليها الربا أضعافاً مضاعفة، فانظروا هذا التخبط في فهم الدين، وسببه البعد عن السنة، وتغير المفاهيم الصحيحة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقد كان شيخنا محمد الأمين الشنقيطي المتوفى في السابع عشر من الشهر الثاني عشر عام ثلاثة وتسعين وثلاثمائة وألف من الهجرة رحمه الله تعالى متقللاً من الدنيا، وقد شاهدته لا يعرف فئات العملة الورقية، وقد شافهني بقوله: لقد جئت من بلاد شنقيط ومعي كنز قل أن يوجد عند أحد، وهو القناعة، ولو أردت المناصب لعرفت الطريق إليها، ولكني لا أوثر الدنيا على الآخرة، ولا أبذل العلم بنيل المآرب الدنوية، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة، آمين].
نكتفي بهذا القدر.