[الصفات الإلهية الموجودة في سورة الإخلاص]
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: [وقد دخل في هذه الجملة ما وصف الله به نفسه في سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن، حيث يقول: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:١ - ٤]].
هذه السورة تعدل ثلث القرآن؛ لأنها تتحدث عن التوحيد، والتوحيد هو ثلث القرآن؛ لأن القرآن عبارة عن أحكام، وقصص، وعقائد، والتوحيد هو ثلث موضوعات القرآن، ولهذا اعتبرت ثلث القرآن.
ويمكن أن نستخرج الصفات ونبين معناها: قوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١]، (الله) اسم من أسمائه سبحانه وتعالى، والصفة المأخوذة منه هي صفة الألوهية، ومعنى (الألوهية) استحقاق العبادة، يعني: أنه هو المألوه وحده؛ ولهذا قال العلماء في الإله: إن الإله مأخوذ من الوله أو الأله، وهو التعبد، والتأله: هو التعبد، والألوهية هي العبودية؛ ولهذا يقول رؤبة بن العجاج: لله در الغانيات المده سبحن واسترجعن من تأله فالتسبيح والترجيع وصفه وجعله من التأله، والتأله معناه التعبد، فالإله معناه: المعبود، والإله على وزن فعال، بمعنى مفعول؛ لأن فعال يأتي بمعنيين: فاعل ومفعول، يعني: آله ومألوه، وهو هنا بمعنى مألوه، أي: معبود، فهو سبحانه وتعالى المألوه المعبود محبة ورجاء وخوفاً وإنابة ورغبة وخشوعاً وخشية، فهو المستحق وحده سبحانه وتعالى للعبادة.
إذاً: فالصفة التي نأخذها من (الله) هي صفة الألوهية.
قوله: (أحد) الصفة التي نأخذها منه الأحدية، يعني: أن الله واحد.
فهو واحد في ربوبيته: فلا خالق ولا رازق ولا فاعل إلا هو سبحانه وتعالى.
وواحد في ألوهيته: فلا معبود ولا محبوب ولا مخوف منه خوف التأله إلا هو سبحانه وتعالى.
وواحد في أسمائه وصفاته: فله الأسماء الحسنى والصفات العلى التي لا تليق بأحد سواه سبحانه وتعالى.
قوله: {اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص:٢]: لفظة (الله) سبق الحديث عنها.
و (الصمد) اسم من أسماء الله، وقد فسره المفسرون بثلاثة معانٍ: المعنى الأول: أن (الصمد) معناه: السيد الكامل في سؤدده.
والمعنى الثاني: أن (الصمد) بمعنى: الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها.
والمعنى الثالث: هو ما فسره به ابن عباس وعليه جمهور علماء السلف والخلف؛ أن (الصمد) الذي لا جوف له، وهو يدل على معنى الغنى، وكل المخلوقات لها أجواف؛ لأنها تفتقر إلى الأكل والشرب ونحو ذلك مما يسد رمق هذا الجوف، وأما الإله سبحانه وتعالى فهو مصمت لا جوف له سبحانه وتعالى، ومعناه: أنه هو الغني الذي لا يحتاج لأحد، وهو المالك لكل شيء، وهو المعطي لكل شيء سبحانه وتعالى.
قوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص:٣].
(لم يلد) يعني: ليس له أولاد، (ولم يولد) يعني: ليس له آباء.
وقوله: (لم يلد ولم يولد) هذه من الصفات السلبية.
وقد سبق أن بينا أن الصفات تنقسم إلى قسمين: صفات ثبوتية وصفات سلبية.
والصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين: صفات ذاتية وصفات فعلية.
فالصفات الذاتية: هي الملازمة لله سبحانه وتعالى، وهي ليست متعلقة بمشيئته، وهي لا تنفك عنه بأي وجه من الوجوه، مثل صفة الألوهية، فهو المعبود على كل حال، ومثل صفات: العلم والوجه والقدم والعينين ونحو ذلك من الصفات التي تليق بالله سبحانه وتعالى.
قوله: (لم يلد) فيه رد على النصارى الذين قالوا: إن عيسى ابن الله.
وفيه رد على بعض اليهود الذين قالوا: إن عزيراً ابن الله.
وفيه رد على الفلاسفة الذين قالوا: إن هذا الكون ناتج عن الله عز وجل بدون إرادة ولا مشيئة، وإنه يتضمن كل خصائص الإلهية، وإنه نتج كنتوج الضوء من الشمس، وإن هذا النتوج أو هذا الصدور أو الفيض موجب لا علاقة له بالإرادة بأي وجه من الوجوه.
ففيه رد على هذه الطوائف، وقد تحدث ابن تيمية رحمه الله في هذه الموضوعات بشكل مطول في أجزاء التفسير الموجودة في الفتاوى في تفسير سورة الإخلاص، فأطال فيها وذكر مسائل بديعة وجميلة جداً، فأنصح الإخوة بمراجعتها.
وفيه رد أيضاً على المشركين الذين قالوا: إن الملائكة بنات الله، تعالى الله عما يقولون.
قالوا: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:٤]، (الكفو، والكفؤ) هو الند والمثيل والشبيه، وقد نفى الله عز وجل عن نفسه أن يكون له كفؤ سواء فيما يتعلق بربوبيته، أو ألوهيته، أو أسمائه وصفاته، فلا مثيل له أبداً، وهذه أيضاً من الصفات السلبية.