بلغ وسط الْمَسْجِد أدْركهُ أَعْرَابِي فجبذ بردائه من وَرَائه وَكَانَ رِدَاؤُهُ خشنا فحمر رقبته فَقَالَ يَا مُحَمَّد احْمِلْ لي على بَعِيري هذَيْن فَإنَّك لَا تحمل لي من مَالك وَلَا من مَال أَبِيك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا أحمل لَك حَتَّى تقيدني مِمَّا حبذت برقبتي فَقَالَ الْأَعرَابِي لَا وَالله لَا أقيدك فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك ثَلَاث مَرَّات كل ذَلِك يَقُول لَا وَالله لَا أقيدك فَلَمَّا سمعنَا قَول الْأَعرَابِي أَقبلنَا إِلَيْهِ سرَاعًا فَالْتَفت إِلَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عزمت على من سمع كَلَامي أَن لَا يبرح من مقَامه حَتَّى آذن لَهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لرجل من الْقَوْم يَا فلَان احْمِلْ لَهُ على بعير شَعِيرًا وعَلى بعير تَمرا ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى انصرفوا
فَطلب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُ الْقصاص فَاحْتمل أَنه يُرِيد بِهِ أَنه قد لزمَه قصاص الْآخِرَة فَطلب ذَلِك مِنْهُ ليسقط عَنهُ فِي الْآخِرَة وَإِذا احْتمل ذَلِك لم يجب الْقصاص فِي الدُّنْيَا لجهلنا بمقداره
وَقد روى طَارق بن شهَاب قَالَ لطم أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ رجلا فَقَالُوا وَالله مَا رَأينَا كَالْيَوْمِ قطّ مَا رَضِي أَن يمنعهُ حَتَّى لطمه فَقَالَ أَبُو بكر إِن هَذَا أَتَانِي يستحملني فَحَملته ثمَّ أَتَانِي يستحملني فَحَملته ثمَّ أَتَانِي يستحملني فَحَملته فَإِذا هُوَ يَبِيعهَا فَحَلَفت أَن لَا أحملهُ ثمَّ قَالَ وَالله لأحملنه ثمَّ قَالَ اقْتصّ مني فَعَفَا الآخر عَنهُ
وَقَالَ عمر بن الْخطاب وَالله لأقتص من عمالي فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن كَانَ كل رجل على طَائِفَة فأدب بعض رَعيته إِنَّك لتقْتَص مِنْهُ قَالَ أَي وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لأقصن مِنْهُ وَقد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقص من نَفسه