وسبب هذا الشعر أن ابنه الفضل بن يحيى كان الرشيد قد ولاه عمل خراسان فأقام بها مدة ثم وصل كتاب صاحب البريد إلى الرشيد، ويحيى بين يديه جالس، مضمنه أن الفضل أشتغل بالصيد واللذات عن النظر في أمور الرعية. فلما قرأ الرشيد الكتاب رمى به إلى يحيى وقال له: يا أبي! اقرأ هذا الكتاب واكتب إليه ما يرده عن هذا. فكتب إليه يحيى على ظهر كتاب صاحب البريد: حفظك الله يا بني وأمتع بك! قد انتهى إلى أمير المؤمنين ما أنت عليه شاغل بالصيد ومداومة اللذات عن النظر في أمور الرعية فأنكره، فعاود ما هو زين بك، فانه من عاد إلى ما يريبه ويشينه لم يعرفه أهل دهره إلاّ به، والسلام. وكتب في أسفله الأبيات المذكورة، والرشيد ينظر إلى ما يكتب. فلما فرغ قال: أبلغت يا أبي! فلما ورد الكتاب على الفضل، لم يفارق المسجد نهاراً إلى إنَّ انصرف عن عمله.
وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: تزوجت امرأة بمكة من قريش، وكنت أمازحها فأقول:
ومن البليلة أنَّ تحب ... فلا يحبك من تحبه
فتقول هي:
ويصد عنك بوجهه ... وتلج أنت فلا تغبه
وقال الشريف الرضي:
ولقد وقفت على طلولهم ... وربوعهم بيد البلى نهب
ومن أعجب الاتفاق أن بعض الأدباء مر بدار الشريف هذا التي ببغداد، وقد خربت وذهبت بهجتها، ولم يبق منها إلاّ آثار تشهد لها بالحسن والنظارة. وفوقف وتمثل بالبيت المذكور وهو لا يعرف لمن الدار. فمر به شخص وسمعه ينشد البيت فقال له: أتعرف هذه الدار؟ قال: لا. قال: هي دار الشريف صاحب البيت. وهذه تشبه حكاية