عبيد الجرهمي، وكان دخل على معاوية فقال له: حدثني بأعجب ما رأيت. فقال: مررت ذات يوم بقوم يدفنون ميتا لهم، فاغرورقت عيناي بالدموع، وتمثل بقول الشاعر:
يا قلب إنك من أسماء مغرور ... فاذكر، وهل ينفعنك اليوم تذكير؟
فاستدر الله خيرا من وراضين به ... فبينما العسر إذ جاءت مياسير
وبينما المرء في الأحياء مغتبط ... إذا هو الرمس تعفوه الأعاصير
يبكي الغريب عليه ليس يعرفه ... وذو قرابته في الحي مسرور
فقال لي رجل: أتعرف من يقول هذا الشعر؟ فقلت: لا. فقال: إنَّ قائله هو الذي دفناه الساعون وأنت الغريب الذي تبكي عليه، وهذا الخارج من قبره أمس الناس رحما وأسرهم بموته. فقال له معاوية: لقد رأيت عجبا! وقال صر در:
إنَّ الهلال يرتجي طلوعه ... بعد السرار ليله احتجابه
والشمس لا يويس من طلوعها ... وإنَّ طولها الليل في جنابه
وقال:
كم عودة دلت على دوامها ... والخلد للإنسان في مآبه!
ولو قرب الدر على جالبه ... ما لجج الغائض في طلابه
ولو أقام لازما أصدافه ... لم تكن التيجان في حاسبه
ما لؤلؤ البحر ولا مرجانه ... إلاّ وراء الهول من عبابه
وقال الآخر:
جروح الليالي ما لهن طبيب ... وعيش الفتى بالفقر ليس يطيب
وحسبك أنَّ المرء في حال فقره ... تحمقه الأقوام وهو مصيب
ومن تعتوره الحادثات بصرفها ... يمت وهو مغلوب الفؤاد سليب
وما ضرني أنَّ قال أخطأت جاهل ... إذا قال كل الناس أنت مصيب
وقال علي بن الجهم:
سقى الله ليلا ضمنا بعد هجعة ... ودنى فؤادا من فؤاد معذب