يوما فقال: لا ادري لم لا تحمل الأمانة أرض حملته، ولا كيف احتاجت إلى الجبال بعدما أقلته! كأن قربه أيام المصائب وليالي النوائب؛ وكأن عشرته فقد الحبائب، وسوء العواقب. ثم أنشد:
ربما يثقل الجليس وإنَّ كان ... خفيفا في كفة الميزان
ولقد قلت حين وتد في البيت ... ثقيل أربى على ثهلان
كيف لا تحمل الأمانة ارضٌ ... حملت فوقها أبا سفيان؟
وكان لبشار أيضاً صديق يقال له هلال، فقال لبشار يوما: يا أبا معاذ! إنَّ الله لم يذهب بصر أحد إلاّ عوضه منه شيئاً، فما عوضك؟ قال: الطويل العريض. قال: وما هو؟ قال: إلاّ أراك ولا أرى الثقلاء أمثالك! ثم قال: يا هلال، أتطيعني في نصيحة أخصك بها؟ قال: نعم! قال: انك كنت تسرق الحمير زمانا، ثم تبت وصرت رافضيا؛ فعد إلى سرقة الحمير، فهي والله خير لك من الرفض! وفي هلال هـ يقول بشار:
وكيف يحق لي بصري وسمعي ... وحولي عسكران من الثقال
قعودا عند دسكرتي وداري ... كأن لهم علي فضول مال؟
إذا ما شئت صبحني هلال ... وأي الناس أثقل من هلال؟
واستأذن بعض الثقلاء على أبن المبارك، فلم يأذن له. فكتب إليه ذلك الثقيل:
هل لذي حاجة إليك سبيل؟ ... لا طويل قعوده بل قليل!
فأجابه أبن مبارك:
أنت يا صاحب الكتاب ثقيل! ... وقليل من الثقيل طويل!
ووصف بعض الأذكياء ثقيلاً فقال: هو ثقيل السكون بغيض الحركة، كثير الشؤم قليل البركة، كأنه ثقل الدين، ووجع العين. وما أحقه بقول القائل:
ثقيل يطالعنا من أمم ... إذا سره رغم انفي ألم
لنظرته وخزة في القلوب ... كوخز المحاجم في الملتزم
أقول له إذ أتى: لا أتى ... ولا حملته إلينا قدم
عدمت خيالك لا من عمى ... وسمع كلامك لا من صمم!