الاشتداد مع عظم العود إلى الحروب على النفس ونفور النفوس منه وكراهيتها له كما قال الآخر:
الحرب أوّل ما تكون فتية ... تسعى بزينتها لكل جهول
حتى إذا اشتعلت وشب ضرامها ... عادت عجوز غير ذات حليل
شمطاء ينكر لونها وتغيرت ... مكروهة للشم والتقبيل
وأما تشبيه الأولى بالبكر والثانية بالعوان فذلك يكون لثلاثة اوجه: الوجه الأول إنَّ البكر من النساء هي التي لم تتقدم ممارستها ومخالطتها بخلاف العوان. وهذا بين وإليه أشار حبيب في التعبير عنها بالثيب حيث قال:
ولا اجتلبت بكر من الحرب ناهد ... ولا ثيب إلاّ منهم لها خطب
الثاني إنَّ البكر لصغر سنها وجسمها في الحملة تشبه المرة الأولى لخفتها والعوان لعظم جسمها في الجملة وسنها تشبه الثانية لقوتها واشتدادها. وهذا من التوهم الخيالي.
الثالث إنَّ البكر اسهل لغرتها وقناعتها بما تجد ولا كذلك العوان: فإنّها لاحتكاكها وتجربتها وطموح عينها اصعب محاورة واشد معاشرة وأدهى نكرا واعظم مكرا وهذا واضح. وقد يوصف بالعوان الأرض التي أصيبت بالمطر مرة بعد أخرى تشبيها كالذي مر. قال الحميد بن ثور الهلالي:
ولقد نظرت إلى أغر مشهر ... بكر توسن بالخميلة عونا
متسنم سنمتها متفجس ... بالدهر يملأ أنفسا وعيونا
لقح العجاف له لخامس خمسة ... وشربن بعد تحلئ فروينا
أراد بالأعر سحابا أبيض وبكونه بكرا أنه لم يمطر قبل ذلك وأراد بالخميلة الرمل ذات الشجر والعون جمع عوان وهي الأرض التي أصابها المطر مرة. ومعنى توسنها طرقها هذا السحاب ليلا عند الوسن أي النوم تقول: توسنت الرجل إذ أتيته وهو وسنان. والسنمات العظام الأسنمة من الإبل وأطلقها هنا على التلال والأكم. وقوله متنسم يريد يتسنمها أي يعلوها كالفحل الذي يتسنم الاينق. وقوله: