للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التكلف لاسيما إن كان في الطبع ايسر شيء من الضعف والتخلف. وأشد ما تكلفه الشاعر صعوبة التشبيه، لمّا يحتاج أليه من شاهد العقل، واقتضاء العيان. ولا ينبغي للشعر أن يكون أيضاً خاليا مغسولا من هذه الحلى فارغا ككثير من شعر أشجع وأشباهه.

ثالثها أن يكون متحرى فيه الصدق وحسن الإصابة. وهذا لا يختص بالمثل الشعري، فان المثل كله أفضله أصدقه وأحكمه وأوجزه؛ وإنّما اشترطت الوجازة احتزازا عن التكلف والإملال: فان قوة البشر غالبا قاصرة عن إيراد الأمثال الطوال من غير تكلف ولا موجب إملال؛ ومن ثم وردت في القرآن الذي هو درجة الإعجاز قصارا وطوالا، وحسنت كلها لانتفاء المانع. فمن القصار قوله تعالى:) كمثل الحمار يحمل أسفارا (ونحوه، ومن الطوال قوله تعالى:) إنما مثل الحياة الدنيا كماءٍ أنزلناهُ من السماءِ (الآية؛ وقوله تعالى:) مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرمادٍ اشتدت به الرياح (الآية، و) الذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعةٍ (الآية، ونحو ذلك وهو كثير. وكذا في كلام النبي صلى الله عليه وسلم وقعت قصارا وطوالا وحسنت لصدورها عن المصطفى الذي هو أفصح من نطق بالضاد صلى الله عليه وسلم. فمن قصارها قولهصلى الله عليه وسلم: الناس كأسنان المشط، وقوله: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، ونحو ذلك. ومن طوالها قوله: مثل البخيل والمنافق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد الحديث؛ وقوله: وإنّ مما ينبت الربيع لمّا يقتل حبطا أو يلم إلا أكلة الخضر أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها الحديث وسيأتي الجميع في موضعه مستوفى مشروحا أن شاء الله تعالى.

الرابع في معنى السائر. اعلم إنّه يقال: مثل سائر، سواء كان شعرا أو غيره، وهو من السير في الأرض استعمل في ذهاب المثل وشيوعه في أسماع الناس. ويقال أيضاً: مثل شارد وشرود، وهو من شرود البعير وهو نفوره، واستعمل في شيوع المثل إذا شاع لا يستطاع رده ولا يمكن إخماده. كما لا يستطاع رد الصعب الشرود من الإبل. ولذلك قال زهير يخاطب بني الصيداء، حيث ذهب الحارث بن ورقاء بإبله وغلامه يسار:

<<  <  ج: ص:  >  >>