للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاستصعبت لكني أذنت له. فلما أخذ العود وجسه خلته والله ينطق بلسان عربي. ثم اندفع يغني:

ولي كبدٌ مقروحةٌ من يبيعني

إلى آخر الأبيات الثلاثة المتقدمه. فو الله لقد ظننت أنَّ الحيطان والأبواب وكل ما في البيت يغني معه حتى خلت عظامي وثيابي تجاوبه وبقيت مبهوتا لا أستطيع الكلام لمّا خالط قلبي. ثم غنى:

ألا يا حمامات اللوى عدن عودة ... فأني إلى أصواتكن حزينُ

فعدن فلما عدن كدن يمتنني ... وكدت بأسراري لهن أبينُ

دعون بترديد الهدير كأنما ... شربن الحميا أو بهن جنونُ

فلم تر عيني مثلهن حمائما ... بكين ولم تدمع لهن عيونُ

فكاد والله عقلي يذهب طربا وارتياحا لمّا سمعت. ثم غنى:

ألا يا صبا نجدٍ متى هجت من نجد. ... فقد زادني مسراك وجدا على وجدِ

لقد زعموا أنَّ المحب إذا دنا ... يمل وأنَّ النأي يشفي من المجدِ

بكل تداوينا فلم يشف ما بنا ... على أنَّ قرب الدار خيرٌ من البعدِ

على أنَّ قرب الدار ليس بنافعٍ ... إذا كان من تهواه ليس بذي ودِ

ثم قال: يا إبراهيم هذا الشعر الماخوري فانح نحوه في غنائك وعلمه جواريك! فقلت: أعده علي! فقال: لست تحتاج إلى إعادته. فغاب عن بصري فارتعت وقمت إلى السيف فجردته وعدوت نحو الباب فوجدته مغلقا. فسألت البواب عن الشيخ فقال: والله ما دخل علي اليوم أحد! فرجعت متحيرا فإذا هو هتف بي من بعض جوانب البيت: لا بأس عليك أبا إسحاق! فقال هو إبليس اخترت مندمتك اليوم فلا ترع! فال إبراهيم: فركبت من فوري إلى الرشيد وقلت: لا أطرفه بطرفة أحسن من هذه! فلما دخلت حدثته الحديث فقال: ويحك غن لي ما غناك! فأخذت العود وغنيته إياها كأنها من محفوظاتي. فطرب الرشيد وجلس للشرب ولم يكن عزم عليه وأمر لي بصلة وقال: الشيخ كان أعلم حيث قال إنك أخذتها. فليته متعنا بنفسه يوما كما أمتعك! انتهى. قوله الماخوري: هو نسبة إلى الماخور وهو بيت الريبة معرب. وقيل إنّه عربي من مخرت السفينة الماء لتردد الناس إليه. وقال أبن عبد المنان:

<<  <  ج: ص:  >  >>