للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صبحته عند المساء فقال لي: ... ماذا الصباح وظن ذاك مزاحا

فأجبته: إشراق وجهك غرني ... حتى توهمت المساء صباحا

وسبب قوله هذا الشعر إنّه دخل وهو ثمل على السلطان أحمد المريني عشية فصبحه. فنظر السلطان إليه نظر منكر، وقال له: أي وقت هذا؟ وأي معنى للصباح فيه؟ فأفاق من سكره وانشد ما مر ارتجالا، وهذه بديهة لا بأس بها.

ومثله ما يحكى إنّه وقع ليحيى بن أكثم، وكان الأمين بن الرشيد شرب يوما مع عبد الله بن ظاهر، ومعهما يحيى. فتغامزا عليه، وأمر الساقي فأكثر له حتى أسكره. وكان بين أيديهم ردم من رياحين. فأمر يحيى فدفن فيه، وأمر قينة أنَّ تغني عند رأسه بيتين علمهما. فغنت:

ناديته وهو ميت لا حراك به ... مكفن في ثياب من رياحين

فقلت: قم؟ قال: رجلي لا تطاوعني ... وقلت: خذ! قال: كفي لا تواتيني

فأنتبه يحيى لصوت العود وصوت الجارية، فأخذ العود منها وغنى:

يا سيدي وأمير الناس كلهم ... قد جار في حكمه من كان يسقيني

إني غفلت عن الساقي فصيرني ... كما رأيت سليب العقل والدين

لا أستطيع نهوضا قد وهى بدني ... ولا أجيب لداع حين يدعوني!

وقال أبو الفتح البستي:

أفد طبعك المكدود بالجد راحة ... يجم وعلله بشيء من المزح

ولكن إذا أعطيته المزح فليكن ... بقدر الذي يعطى الطعام من الملح

وقال آخر في معناه:

ممازحة الصديق تزيد ودا ... إذا كانت تضاف إلى الملاحه

فمازح من تحب وتصطفيه ... فمزحك مع صديق في راحه

وقال الآخر في المدح:

إذا نزل الضيف ليلا بهم ... رأى أوجها لاح منها الصباح

كرام الوجوه لمن أمهم ... وعند وجوه الكرام السماح

وهذا من العكس، وهو عند أهل البديع قسمان: تعاكس الكلم وتعاكس الحروف.

فمن الأول في النثر قولهم: عادات السادات سادات العادات: وقولهم عقول الملوك

<<  <  ج: ص:  >  >>