من شبه العمر كأسا يقر ... قذاه ويرسب في أسفله
فإني رأيت القذى طافيا ... على صفحة الكأس من أوله!
ومن ذلك قول الفاضل:
إليك بعد انقضاء اللهو واللعب ... عني فلم أربي ما يقتضي أربي
فالعمر كالكأس والأيام تمزجه ... والشيب فيه موضع الحبب
أقول إذ فاض فيض فضته: ... يا وحشة لشباب ذاهب الذهبِ!
وقول الخالدي:
لقد فرحت بما عاينت من عدم ... خوف القبيحين من كبر ومن بطر
وربما الأعمى بحالته ... لأنه قد نجا من طيرة العور
ولست أبكي على شيء منيت به ... يبكي على الشيب من يأسى على العمر
وما بكيت زماني وهو يصعدني ... فكيف أشكره في حال منحدر؟
وقال الشيخ أبن فارض، رحمه الله:
أهوى رشا هواه للروح غذا ... ما أحسن فعله ولو كان أذى
لم أنس وقد قلت له الوصل متى ... مولاي إذا مت أسى قال إذا
وقال أبو نواس في مجونه، عفا الله عنا وعنه!
وقائل: هل تريد الحج قلت له: ... نعم إذا فنيت لذات بغداد
وكيف بالحج لي ما دمت منغمسا ... في بيت قوادةٍ أو بيت نباذ؟
ومثله قول الآخر:
ألم ترني وبشار حججنا ... وكان الحج من خير التجارة؟
خرجنا طالبي سفر بعيد ... فمال بنا الطريق إلى زرارة
فآب الناس قد حجوا وبروا ... وأبنا موقرين من الخسارة!
ونحوه ما يحكى أنَّ موسى بن داود الهاشمي عزم على الحج، فقال لأبي دلامة:
احجج معي ولك عشرة آلاف درهم! فقال له: هاتها! فدفعها إليه فقبضها وهرب إلى