هجرتك لو أهجرك من كفر نعمةٍ ... وهل يرجى نيلي الزيادة في الكفرِ!
ولكنني لمّا أتيتك زائراً ... فأفرطت في بري عجزت عن الشكرِ
فما لآن لا أتيك إلاّ مسلما ... أزورك في الشهرين يوما أو الشهرِ
فإن زدتني برا تزيدني جفوة ... ولم تلقني طول الحياة إلى الحشرِ
فلما وصلت إليه قال: قاتله الله ما أشعره وأدق معانيه! فأجابني لوقته وكان حسن البديهة:
ألا رُبَّ ضيفٍ طارقٍ بسطته ... وأنسته قبل الضيافة بالبشرِ
أتاني يرجيني فما حال دونه ... ودون القرى والعرف من نيله ستري
وجدت له فضلاً عليَّ بقصده ... إليَّ وبراً زاد فيه على برِ
فزودته مالاً يقل بقاؤه ... وزودني مدحاً يدوم مدى الدهرِ
وبعث إليَّ بها وبألف دينار مع وصيفة فقلت حينئذ:
إنما الدنيا أبو دلفٍ ... بين باديه ومحتضره
فإذا ولى أبو دلفٍ ... ولت الدنيا على أثره
ملكٌ تندى أنامله ... كانبلاج النوء عن مطره
مستهل عن مواهبه ... كابتسام الروض عن زهره
جبلٌ عزت مناكبه ... أمنت عدنان في ثغره
كل من في الأرض من عربٍ ... بين باديه ومحتضره
مستعيرٌ منه مكرمةً ... يكتسبها مفتخره
ويقال إنَّ البيت الثاني هو الذي أحفظ المأمون على أبن جبلة حتى سل لسانه من قفاه وقوله: وجدت له فضلا عليَّ. . " البيت ". أوّل من رأينا استعمل هذا المعنى في الشعر الحارث أبن عوف المري صاحب الحملات بين عبس وذبيان حيث يقول:
كم من يدٍ لا أودي حق نعمتها ... عندي لمختبطٍ طار ومن منن