فلولا نبو الدهر عني لم يكن ... لفرقتنا شيء سوى الموت فاعذري
أؤوب بحزن من فراقك موجع ... أناجي به قلباً طويل التفكرِ؟
عليك سلامٌ لا زيارة بيننا ... ولا وصل إلاّ أن يشاء أبن معمرِ
فقال له: خذ بيدها فهي لك وثمنها! وقال الخليل بن أحمد:
إن منت لست معي فالذكر منك معي ... يرعاك قلبي وإن غيبت عن بصري
العين تفقد من تهوى وتبصره ... وناظر القرب لا يخلو من النظر
وهو مثل مشهور للصوفية:
أما والذي لو شاء لم يخلف الهوى ... لئن غبت عن عيني لمّا غبت عن قلبي
يوهمنيك الشوق حتى كأنما ... أناجيك من قربٍ وإن لم يكن قربي
وقال الآخر:
أبلغ أخانا تولى الله صحبته ... أني وإن كنت لا ألقاه ألقاه
وإنَّ قلبي موصولٌ برؤيته ... وإن تباعد عن مثواي مثواه
وقال الآخر:
إذا اشتاقت العينان منك بنظرةٍ ... تمثلت لي في القلب من كل جانبِ
وحكي عن الإمام الشبلي رضي الله عنه أنه رأى يوما مجنونا والصبيان خلفة يرمونه بالحجارة وقد أدموا وجهه وشجوا رأسه. فأخذ الشبلي يزجرهم عنه فقالوا له: يا شيخ دعنا نقتله فإنه كافر! فقال لهم: وما الذي بان لكم من كفره؟ فقالوا: يزعم أنه يرى ربه ويحادثه. فقال: أمسكوا عليَّ قليلا! فتقدم الشبلي فوجده يتحدث ويضحك ويقول في أثناء ذلك: هذا جميل منك تسلط عليَّ الصبيان ليشغلوني عنك! فقال: يا شبلي وما الذي قالوا؟ قال: تقول إنك ترى ربك وتحدثه. فصاح صيحة عظيمة ثم قال: يا شبلي نعم وحق من تيمني بحبه وهيمني بين بعده وقربه! لو احتجب عني طرفة عين لتقطعت من البين. ثم ولى وهو يقول:
لئن غبت عن عيني وشط بك النوى ... فأنت بقلبي حاضرٌ وقريبُ