فعجم عيدانها فوجدني أمرها عودا واصلبها مكسرا فرماكم بي لأنكم طالما أوضعتم في الفتنة واضطجعتم في مراقد الضلال. والله لأحزمنكم حزم السلمة ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل! فإنكم كأهل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف. وإني والله ما أقول إلاّ وفيت ولا أهم إلاّ أمضيت ولا أخلق إلاّ فريت! وإنَّ أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم وأن أوجهكم إلى محاربة عدوكم مع المهلب بن أبي صفرة وإني اقسم بالله لا أجد رجلا تخلف بعد أخذه عطاءه بثلاثة أيام إلاّ ضربت عنقه! يا غلام اقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين١ فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين إلى من بالكوفة من المسلمين. . فلم يقل أحدٌ منهم شيئا. فقال الحجاج: اكفف يا غلام! ثم أقبل على الناس فقال: أسلم عليكم أمير المؤمنين فلم تردوا عليه شيئا؟ هذا أدب أبن لهيعة! أما والله لأؤدبنكم غير هذا الأدب أو لتستقيمن! اقرأ يا غلام كتاب أمير المؤمنين! فلما بلغ إلى قوله: سلام عليكم! لم يبق أحد في المسجد إلاّ وقال: على أمير المؤمنين السلام! ثم نزل فوضع للناس أعطياتهم. فجعلوا يأخذون حتى أتاه شيخ يرعش كبرا فقال: أيها الأمير إني من الضعف على ما ترى ولي أبن هو أقوى مني على الأسفار أتقبله بدلا مني؟ فقال له الحجاج: نفعل أيّها الشيخ! فلما ولى قال له قائل: أتدري من هذا أيها الأمير؟ قال: لا. قال: هذا عمير بن ضابئ البرجمي الذي يقول:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني ... تركت على عثمان تبكي حلائله
ودخل هذا الشيخ على عثمان مقتولا فوطئ بطنه فكسر ضلعين من أضلاعه. فقال: ردوه! فقال له الحجاج: أيها الشيخ هلا بعثت إلى أمير المؤمنين بدلا يوم الدار إنَّ في قتلك أيّها الشيخ لصلاحاً للمسلمين! يا حرس اضربا عنقه! فجعل الرجل يضيق عليه أمره فيرتحل ويأمر وليه أن يلحقه بزاده. وفي ذلك يقول عبد الله بن الزبير الأسدي:
تجهز فإما أن تزور أبن ضابئ ... عميراً وإما أن تزور المهلبا