[الصلاة وأهيمتها في الدين]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيد الأولين والآخرين؛ سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فقوله: (وإقام الصلاة) الصلاة تحتاج إلى كلام طويل، ولكن معلوم أمرها وأن إقام الصلاة هو أهم شيء في الإسلام، كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم لما سأله السائل: (أي العمل أفضل؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قال: ثم ماذا؟ قال: الصلاة على وقتها) .
وكما في الحديث الآخر: (والصلاة عماد الدين) فإذا كان البناء من خمسة أعمدة أو خمسة أركان فإن للبيت عموداً في الوسط إذا رفع هذا العمود أقيم البناء، وإذا سقط هذا العمود سقط البناء، ولو كانت الأطراف قائمة؛ لأن هذا العمود هو الذي يثبت البناء ويرفعه، ولذا جاء عنه صلى الله عليه وسلم في شأن الصلاة: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن ترك الصلاة فقد كفر) ، وجاء في الموطأ عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه كتب إلى عمّاله بالحث على الصلاة، وقال: (ألا إنه لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة) .
والعلماء يعقدون مباحث طويلة، هل الكفر في ترك الصلاة مخرج من الملة أم أنه كفر بالنعم، أو كفر دون كفر؟ فجمهور العلماء: على أنه كفر مخرج من الملة.
والبعض يقول: هذا الحديث في عمومه للزجر والوعيد، وقد جاء ما يصرفه عن هذا الظاهر لما جاء عنه صلى الله عليه وسلم: (خمس صلوات كتبهن الله في اليوم والليلة، فمن وفاها وأداها بحقها كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يحفظها ولم يحافظ عليها لم يكن له عند الله عهد، إن شاء أدخله الجنة، وإن شاء أدخله النار) فقالوا: هو ممن يدخل تحت المشيئة.
ولكن الأئمة الأربعة اتفقوا على أن تارك الصلاة إذا رفع أمره إلى ولي أمر المسلمين أنه يستتاب، أي: ثلاثة أيام، وعند أحمد حتى يمضي وقت الصلاة الأولى فقط، فإن رجع وصلى خلي سبيله، وإن لم يصل قتل باتفاق الأئمة الأربعة، سواء كان جاحداً لها أو كان معترفاً بفرضيتها، ولكنه تركها عناداً أو كسلاً، فعند الأئمة الأربعة يقتل، ولكن عند أبي حنيفة ومالك والشافعي رحمهم الله يقتل حداً كالزاني المحصن، وكقاتل النفس المعصومة، وعند أحمد: يقتل كفراً.
والفرق بينهما: أن من قتل حداً يعامل معاملة موتى المسلمين، إلا أن الإمام لا يصلي عليه، فترث منه زوجته، ويغسل، ويكفن، ويقبر في مقابر المسلمين، ويصلي عليه أولياؤه.
أما عند أحمد فلا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يورث ماله من بعده، وماله فيء لبيت مال المسلمين، ويوارى في التراب كما يوارى الحيوان عياذا بالله! ومن عظم شأن الصلاة أن الله سبحانه فرض كل أركان الإسلام وحياً بطريق جبريل، والصلاة فرضها على رسول الله مباشرة بدون جبريل ليلة الإسراء والمعراج، وكانت قد فرضت خمسين صلاة، وما زال موسى يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (ارجع إلى ربك وسله التخفيف، فقد بلوت الناس قبلك، بلوت بني إسرائيل وكانوا أقوى أجساداً وبناية على دون ذلك فلم يستطيعوا، وكان يستشير جبريل فيشير عليه أن ارجع، فيرجع ويستشفع) فانتهت الخمسون إلى خمس صلوات، وبين سبحانه في الأخيرة: (هي خمس وهي خمسون) أي: في الأجر، والحسنة بعشر أمثالها.
وقد بين الله سبحانه حكمة الصلاة، ولكل ركن من أركان الإسلام فعاليته في سلوك المسلم، وفي روابط المجتمع، أما الصلاة فبين سبحانه: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:٤٥] فإذا كانت تنهى عن الفحشاء والمنكر فهي عامل صيانة ووقاية للعبد.
ومثلها بنهر جار أمام بيوتكم يغتسل فيه أحدكم خمس مرات كل يوم، أترون يبقى على جسده شيء من الدرن؟.