قال عليه الصلاة والسلام:(فلا تضيعوها) كأنه يقول: لا تضيعوا الصلاة؛ ولكن بم تضيَّع؟ بأحد أمرين: · إما بتركها حتى يخرج الوقت، وهذا تضييع لها.
· وإما بإتيانه إياها بغير خشوع ولا خضوع ولا تأمل فيها ولا ولا إلى آخره، كما جاء في الحديث:(إن العبد إذا صلى الصلاة بخشوع وخضوع وتلاوة صعدت إلى السماء، ولها رائحة زكية، كلما مرت بسماء قالت ملائكتها: ما هذا؟ قالوا: صلاة فلان، فأخذت تصلي عليه وتدعو له إلى أن تصل إلى عرش الرحمن، وإذا صلى الصلاة وضيعها؛ تأتي فتطرق السماء فلا تُفتح لها أبواب السماء، وتُلف كما يُلف الثوب الخَلِق، ويرمى بها إلى وجهه، وتقول: ضيعك الله كما ضيعتني) ، والتضييع: التفويت، كما قال عمر رضي الله تعالى عنه حينما حمل رجلاً على فرس له في سبيل الله، ونعلم أن عمر لن يقتني فرساً إلا فرساً يتجاوب مع شجاعة عمر ومع قتاله، فلما حمل على هذا الفرس الجيد الأصيل الرحل الذي حمله عليه، وأخذه هبةً من عمر لم يستطع أن يؤدي واجب هذا الفرس؛ لأن الفرس قد يكلف أكثر من الولد: في طعامه ونظافته وترويضه وأداء واجبه إلى آخره، قال عمر:(فرأيت الذي أخذه قد ضيعه) ، بأي شيء؟ بعدم أداء واجبه، وإهمال حقه.
إذاً: الإهمال تضييع، والصلاة تضيَّع إما بتركها حتى يخرج وقتها، أو بأدائها في آخر الوقت كما جاء في بعض الروايات:(ينظر إلى الشمس حتى إذا ما اصفرَّت قام ونقرها نقر الغراب) ، وإما أن يصليها فرادى في أول وقتها، ويترك الجماعة وهو يستطيع أن يحضرها، أو يصلي جماعة وقلبه مشغول، ولذا قال في الآية الكريمة:{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ}[الماعون:٤-٥] ، يقول بعض السلف: الحمد لله الذي قال: {عَنْ صَلاتِهِمْ} ولم يقل: في صلاتهم؛ لأنه قلَّ أن يسلم مسلم من أن يسهو في صلاته بنوع ما؛ ولذا شرع الله سجود السهو تداركاً لما عسى أن يقع من نقص، والإنسان لا يسلم وليس معصوماً من السهو، ولكن فرق بين أن يدخل في الصلاة ويكبر، ثم يذهب يحسب حساب البيع والشراء، ومكسب وربح، ورواح ومجيء، إلى آخره!