[المحدثات قد تكون في العبادات أو المعاملات]
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد: ما هي المحدثات؟ هي: كل ما كان في أمر الدين مما لم يكن من قبل، ولم يشهد له كتاب ولا سنة.
فإذا جاء إنسان بأمر جديد في عبادات أو في معاملات، فعمله مردود، فإن جاء بعبادة لم تكن معروفة من قبل فهي رد، وإن جاء بمعاملات وعقود بين الناس لم تكن موجودة فهي رد، وتكون العبادة باطلة ويكون العقد فاسداً.
يذكر العلماء من المحدثات: صلاة الرغائب وكانت معروفة في بعض البلدان سابقاً، حيث تصلى في شهر رجب، فيجتمع الناس في المساجد ويصلون صلاة الرغائب ويفعلون كذا، ويقولون كذا، فهذه بدعة مردودة على أهلها؛ لأنها محدثة في الدين، ولم يوجد نص في كتاب الله ولا في سنة رسول الله يدل عليها، ولا ثبت عن أحد من سلف الأمة أنه كان يفعل ذلك في تلك الليلة بالذات.
ومن المحدثات ما كان يفعله بعض الناس في الشام والعراق من التعريف ليلة عرفة في الأمصار، فكانوا يوم عرفة يجتمعون بعد العصر في المساجد تشبهاً بأهل عرفات في أرض عرفات، وكل ذلك ليس من الدين في شيء.
وممن يأتي بالبدع في الدين من يدعون التصوف وليسوا بصوفية، وإنما يأتون بما حرم الله زاعمين أنه من الدين والدين بريء منه، ويشهد على ذلك قول بعض علماء الصوفية الصادقين: كل عمل أو كل دعوى ليس عليها شاهدا عدل من الكتاب والسنة فهي مردودة.
فإذا جاء رجل وقال: خذوا هذه العبادة، فإنها حسنة، استحسنتها من فكري، نقول له: لا.
وقد عاب أهل السنة على المعتزلة وغيرهم التحسين والتقبيح العقليين، فقالوا: العقل لا يحسن ولا يقبح، ولكن يستحسن ما حسن الشرع، ويستقبح ما قبح الشرع.
إذا كانت العقود على مقتضى كتاب الله لا غرر فيها ولا ضرر ولا ضرار، وليس فيها أكل لأموال الناس بالباطل فهي صحيحة، أما إذا كان العقد يشتمل على ضرر وضرار، فهل يجوز برضا المتعاقدين؟ ولو تعاقد اثنان على شيء ولكن فيه ضرر على إنسان، أو تعاقدا على شيء نهى عنه الشرع، فهل نقول كما يقول أهل القانون: العقد شرعة المتعاقدين؟ لا.
والآن الحمد لله رجع رجال القانون عن هذا، وألحقوا في القانون المادي: العقد شرعة المتقاضيين ما لم يتعارض مع المصلحة، ولكن نقول لهم: أي المصالح تريدون، فلابد أن تقيد بالمصالح الشرعية.
عقد الربا بين اثنين، فهما حين يتفقان على خمسة في المائة أو اثنين في المائة، أليس هذا بتراضي الطرفين؟ نعم، وهل تراضي الطرفين على الربا يبيح هذا العقد؟ لا، بل هو فاسد، وكل عقد توجه النهي إليه في ذاته فهو فاسد، ولا ينفذ مقتضى العقد.
لو أن إنساناً باع بيعتين في بيعة، أو باع حلالاً وحراماً، فهل ينعقد هذا العقد وهل يصح؟ اختلف العلماء فيما إذا كان النهي موجهاً لعين المنهي عنه أو موجهاً لوصف خارج عنه، وهذه قضية أصولية توضيحها كالآتي: قال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:٩] ، فإذا بعت عند النداء للصلاة فحكمه باطل؛ لأن الله قال: (ذَرُوا الْبَيْعَ) أي: اتركوه.
ولو تعاقدا على دار أو على سلعة في هذا الوقت الذي نهى الله عن البيع والشراء فيه، فحكم هذا العقد أنه باطل.
الله سبحانه وتعالى حرم الخمر والخنزير والميسر، فلو بايع المرء رجلاً يهودياً أو كتابياً من أهل الذمة، وجاء ليدفع الثمن، فنقصت عليه القيمة، فدفع إليه زق خمر بتمام القيمة، فالخمر منهي عن بيعها وشرائها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله بائعها ومشتريها ... ) إلى آخره، وهل النهي عن بيع الخمر يساوي النهي عن العقد عند النداء ليوم الجمعة أو يختلفان؟ إذا نظرنا إلى النهي عن البيع والشراء وقت النداء للجمعة، هل هو منهي عنه لذات المبيع؟ بمعنى أنك إذا اشتريت ثوباً عند النداء، هل النهي لعين الثوب هذا، أو النهي لأمر آخر، وهو عدم الاشتغال عن الذهاب إلى الجمعة؟ النهي عن البيع والشراء عند النداء من أجل الجمعة، والجمعة أمر خارج عن المبيع، ولكن حينما أخذت زق الخمر في الثمن فالنهي موجه للخمر لكونها ثمناً في بيت أو ثوب، فالنهي لعين الخمر.