للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر النبوة والرسالة في سورة الحجرات]

في أول سورة الحجرات نجد قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحجرات:١] ، وفي الآية التي بعدها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيّ} [الحجرات:٢] ، (لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) ، (لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) ؛ فالسورة جمعت بين الوصفين، وقدمت وصف الرسالة وجاءت بوصف النبوة، ولكن مع الرسالة: (لا تقدموا) ، أي: لا تتقدموا بالتشريع والابتداع والاختراع، ولكن كونوا وراء رسول الله، إذاً: هو رسول في التشريع وفيما جاء به عن الله؛ فلا تتقدموا عليه في رسالته.

إذاً: الرسول جاء برسالة وكونوا تبعاً له، ولا تتقدموا عليه واتقوا الله، وجعلها مع حق الله: (لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) ؛ لأن الرسول مبلغ عن الله، والمتقدم على السنة متقدم على الله، كأنه ابتدع من نفسه: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:٢١] .

ثم جاء في شخصية محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه في تكريمه في ذاته فقال: (لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) ، وهنا أدب شخصي وتكريم ذاتي، أما هناك فكان احترام رسالة وتبليغ عن الله، إذاً: الرسالة عن الله، والنبوة في ذاته، فقال: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:٢] .

ثم رجع مرة أخرى فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الحجرات:٣] ، فيبين أن التكريم والأدب لأي شيء؟ لأن هذا النبي هو رسول الله إليهم.

وأحسن ما قيل في ذلك: إن النبي من جاء على سَنَن نبي قبله، والرسول من جاء برسالة جديدة لقوم جدد.

ونجد علماء التفسير يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم نبئ بسورة اقرأ، وأرسل بسورة المدثر: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:١-٥] ، فقالوا: هذه ليس فيها تبليغ لغيره، ولكن يبدو -والله تعالى أعلم- أنه أرسل من أول وهلة بسورة اقرأ، لماذا؟ لأنه قال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:١] ، فهو سيقرأ قرآناً، لكن لمن؟! ولذا جاء بعده مباشرة في ترتيب المصحف بعد سورة اقرأ: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر:١] ، أنزلنا ماذا؟ {حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان:١] ، {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:١٨٥] (أنزلناه) يعني: أنزلنا القرآن، (اقرأ) يعني: اقرأ القرآن، والقرآن إنما هو للناس كافة.

إذاً: فقد نبىء وأرسل بأول الوحي.

والذي يهمنا في هذا الحديث تلك المغايرة في الألفاظ، وإن كان من كلام الراوي وليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (جاء رجال إلى النبي فقالوا: يا رسول الله) .