للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كنية عائشة رضي الله عنها]

قال: (عن أم المؤمنين) ، وصفها بما وصفها به الله سبحانه وتعالى؛ لأن هذا الوصف لأمهات المؤمنين، ثم كناها، فهي أم المؤمنين وأم عبد الله، والاسم إذا صدر بأب أو أم فهو كناية، كنيت بـ أم عبد الله وبأم المؤمنين، ويتفق العلماء على أن الأمومة للمؤمنين أمومة تكريم وتشريف، وليست أمومة محرم، فلا يحق لأي إنسان أن يخلو بها، ولا أن تكشف وجهها للغريب كما تكشف الأم لولدها، ولكنها أمومة تشريف وتعظيم وتكريم لحرمة نكاحها.

فلا يحق لأحد من العالمين أن يتزوج بإحدى زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده، ومن هنا قيل عنهن: أمهات المؤمنين؛ لأنهن يحرمن على كل مؤمن كما تحرم الأم على ولدها، ولكن لا يخلو بها، ولا يرثها، ولا تكون هناك أحكام الأمهات بينهن وبين سائر المسلمين، قال الله: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب:٥٣] ، لماذا؟ تعظيماً وتكريم، وإذا كان الأمر كذلك، فالأم دائماً مشفقة على أولادها، وقد قال بعض الصحابة لأم المؤمنين عائشة: (يا أم المؤمنين! إني أريد أن أسألك عن شيء ولكني أستحي، قالت: ما كنت سائلاً أمك عنه فسلني، فقال: الرجل يأتي أهله ويكسل أعليه غسل؟ فقالت: مثلك مثل الفروج يسمع الديكة تصيح فيصيح معهم) تعني: أنت طويلب علم صغير، وتأتي إلى الأمور الدقيقة وتسأل فيها، وذكرت له الحكم.

زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم لماذا حرمن على جميع المسلمين وكن أمهات المؤمنين؟ يقول العلماء: الزوجة إذا ماتت والزوج إذا مات والتقيا في الجنة، فهل تكون الزوجة في الدنيا زوجة في الجنة؟ نعم، قال الله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور:٢١] فإن كتب الله للزوجين المسلمين دخول الجنة فالزوجة في الدنيا لزوجها في الآخرة، ولكن ما كل زوجين يمكن أن يحكم لهما بالجنة، ولكن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين مقطوع بدخولهن الجنة، ومقطوع بأنهن زوجاته في الآخرة، فإذا كن زوجاته في الدنيا وهن زوجاته في الآخرة، فيحرم على أي إنسان أن يتزوج بواحدة منهن.

والرسول صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة برزخية كما أن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، وللحياة البرزخية أمور تدخل في هذا الباب، نقول: أمهات المؤمنين، من باب التشريف والتكريم، ولا تجري عليهن بقية أحكام الأمومة مع أولادهن.

يقال: هذه أم فلان إذا كان ولدها اسمه كذلك،، وأبو عبد الله، وأبو عبد الرحمن، إذا كان هذا اسم ولده، والتعريف بالكناية أشد وأعظم تكريماً من التعريف بالاسم العلم فقط.

جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والله يا عائشة إني أعرف متى تكونين راضية عني ومتى تكونين غير راضية؟ قالت: وكيف تعرف ذلك؟ قال: إذا كنت راضية قلت: ورب محمد! وإذا كنت غير راضية قلت: ورب إبراهيم) .

ويقال: يا أبا القاسم! تكريماً للرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: (تسموا باسمي، ولا تكتنوا بكنيتي) ؛ فلا ينبغي للإنسان أن يكني نفسه (أبا القاسم) ؛ لأن هذه الكنية من الكنايات الخاصة به صلى الله عليه وسلم، لكن أن تسمي بمحمد وأحمد ومحمود، فلا مانع.

إذاً: كنيت عائشة رضي الله تعالى عنها تكريماً لها، وهل كان لها ولد اسمه عبد الله حتى كنيت بـ أم عبد الله؟! بعض العلماء يقول: كانت قد حملت وأسقطت وسمي السقط عبد الله، ولكن علماء الحديث يجزمون بأنها لم تحمل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي لم تلد من رسول الله قط، وإنما كنيت بابن أختها، ويجوز التكني بدون ولد، وهذا شائع في اللغة.