وقوله سبحانه في هذا الحديث القدسي:(يا ابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة) ، (قُراب الأرض) : يقول بعض العلماء في اللغة: هذا الشيء قريب من هذا، أو هذا قريب من هذا في الطول، أو هذا المكان قريب من هذا في السعة، يعني ليس عين السعة وليس عين الطول ولكن مقارب، فقالوا:(قُراب) بمعنى مُقارِب، يعني: لو أتيتني بما يقارب ملء الأرض، وقالوا: قراب الأرض، أي: قِرابها أو ملؤها، وهو كناية عن امتلائها بالكلية.
(لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة) ، يقول (ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً) ، إذاً: هناك فرق بين المغفرة والاستغفار وبين الدعاء وعظيم الرجاء.
قلنا: في قوله: (يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني) ، شملت كل عبد لله من بني آدم، ولكن هنا يقول سبحانه:(لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً) ، إذاً: قراب الأرض من الخطايا التي ليس فيها الذنب الأكبر وهو الشرك، كما بين ذلك سبحانه في قضية لقمان مع ابنه:{يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان:١٣] .
فمهما كان على الإنسان من خطايا، ولقي الله موحداً لا يشرك بالله شيئاً لا في أسمائه ولا في أفعاله ولا في صفاته، كان هذا القراب الكثير من الخطايا موضع المغفرة.
وفي القرآن الكريم:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ}[النساء:٤٨] ، أي ما دون الشرك من الخطايا.
إذاً:((دُونَ ذَلِكَ)) فيه نص على أن الخطايا تتفاوت، فهناك الشرك وهو الظلم الأعظم، وهناك قتل النفس، وهناك الزنا، وهناك السُّكْر، وهناك السرقة، وهناك السَّب، وهناك نظرة العين، فهي تتفاوت، ((وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ)) ، فالحديث مطابق للآية الكريمة.
قال:(لو أتيتني بقراب الأرض خطايا) ، والخطايا: جمع خطيئة، وهي: ما يفعله الإنسان من الذنوب عامداً، وهي بخلاف الخطأ الذي يقع من المرء بدون قصد منه، وتقدم في الحديث:(إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ، فالخطأ ليس عمداً وليس معصية، ولكنه ينتج عندما يفعل المرء شيئاً جائزاً فيخطئ فيه إلى ما ليس بجائز، أي: بدون إصرار ولا قصد للخطأ والمعصية.