ولم يأت جبريل بهذه الأسئلة؟ قال بعض العلماء: لأنهم كانوا لا يحسنون السؤال، أو ربما يسأل الإنسان عما تحمله به زوجته، أو عما يأتي به الغد، أو عن أبيه من هو؟ ولهذا حظر الله عليهم كثرة سؤال الرسول، وجعل بين يدي سؤاله صدقة، فمن أراد أن يسأل رسول الله، فقبل أن يسأل عليه أن يتصدق، وليس كل إنسان يجد الصدقة، فيكف الناس عن كثرة الأسئلة ولا يسأل إلا من تصدق ومن كانت له حاجة ضرورية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً}[المجادلة:١٢] ، ثم قال:{فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ}[المجادلة:١٣] .
(فإذا لم تفعلوا) أي: لم تستطيعوا، {فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}[المجادلة:١٣] ، وهذه الصدقة شرعت ثم نسخت، كأنها تقول: احذروا كثرة الأسئلة، فمن واجب الشخص قبل أن يسأل رسول الله أن يتصدق قبل السؤال، ويقولون: إنه لم ينفذ هذه الآية إلا علي رضي الله تعالى عنه، وبعضهم يطعن في سند هذا الحديث بالنسبة لـ علي.
المهم عندنا أنهم أمروا أن يقيموا الصلاة، وأن يلتزموا بتعاليم الإسلام، فكفوا عن بعض الأسئلة، وكان يقول أبو هريرة رضي الله تعالى عنه:(كنا ننتظر الأعرابي يأتي ليسأل فنفرح بسؤاله لنسمع الجواب) ؛ لأنهم كفوا عن الأسئلة، وما كانوا يسألون إلا في الضروريات، فإذا جاء إنسان من البادية، وليس عليه هيئة الحضر، ويسأل حاجته فيفرحون بالسؤال؛ لأنهم يسمعون الجواب، فها هو جبريل عليه السلام جاءهم بالمنهج السليم في طريقة السؤال، فهو عالم ومتعلم، وهو الذي جاء بهذه الأمور كلها بالوحي؛ ولكن ليعلم الحاضرين كيف يسألون، وليبين لهم حقيقة الدين ما هي.