للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حكم الجهاد في سبيل الله طلباً ودفعاً

يتفق العلماء على أن الجهاد قسمان، ما يسمى الآن بالهجوم، وما يسمى بالدفاع، ويصطلح عليه الفقهاء الجهاد ابتداءً وطلباً، والجهاد دفاعاً وصداً.

فالجهاد الذي هو دفاع عن النفس لا ينبغي لاثنين أن يختلفا في حكمه، لأن في شرعة كل كائن حي أن من هوجم يدافع، أرأيت لو جئت إلى دجاجة معها فراخها وهاجمتها ماذا تفعل معك، أتستسلم لك أم تدافع عن نفسها؟ تدافع.

فالدفاع عن النفس فرض عين حتى عند الدجاج إذاً: هذا القسم لا ينبغي لأحد أن يتكلم فيه.

ولهذا أجمع المسلمون على أن الجهاد قد يكون فرض عين على كل شخص، رجل، امرأة، صغير، كبير، بإذن، بدون إذن، وذلك حينما يداهم العدو بلدة وجب مدافعته على كل مستطيع من أهل تلك البلدة.

بل كما يقولون: حتى لو لم تجد المرأة سلاحاً، فلها أن تدافع ولو بغطاء القِدْر.

الدفاع عن النفس لا ينبغي لأحد أن يتكلم فيه ولا يثير فيه خلافاً، إنما الخلاف والكلام في القتال ابتداءً وطلباً، حينما يذهب المسلمون إلى الكفار في ديارهم ويقولون: الإسلام أو الجزية أو القتال.

فهذا قتال طلبي وهذا الذي شُرِع على المسلمين لكن بتدرج، يقول صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ... ) الحديث، إذا القتال ابتداءً مفروض في الإسلام، ولكن حينما تكتمل لهم القوة، ويقدرون على ذلك، وقد أخذ هذا النوع في الإسلام باب التدرج، ففي مكة كان المسلمون يصبرون على التعزير، ويصبرون على العذاب، وربما يموت الشخص تحت التعذيب، ومع ذلك لم ينتصر واحد لنفسه، ولما جاء الأنصار وبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة قالوا: يا رسول الله! ائذن لنا أن نميل على أهل الموسم بأسيافنا.

فيقول: إنا لم نؤمر بقتال بعد.

لماذا لم يدعهم وتكون هذه مقدمة تخوِّف العرب؟ لأنه لم يؤمر؛ ولأن الوقت لم يحن، فإذا كان المسلمون في حالة تجمع وحالة وحدة وحالة قوة، فرض عليهم أن يذهبوا إلى الكفار ويدعوهم إلى الإسلام، فإن لم يسلموا فالجزية، فإن لم يدفعوها استعانوا بالله وقاتلوهم.

ولكن اليوم كل دولة بحدودها وسيادتها، وكل دولة لا تستطيع أن تتدخل في شئون الأخرى، ولا توجد دولة من الدول تستطيع أن تفعل ذلك وحدها، أخبروني من هي الدولة التي تستطيع أن تذهب إلى روسيا أو إلى بريطانيا أو إيطاليا أو أمريكا وتقول: أسلموا أو الجزية أو القتال؟ إذاً: القتال ابتداءً فرض على مجموعة المسلمين، وفي الوقت الحاضر إذا استطاعوا القيام بالنوع الثاني -الدفاع عن النفس ومجاهدة العدو والاحتفاظ بما بأيديهم- فذلك ظفر كبير.

أما إذا دوهمت دولة من الدول -عربية كانت أو إسلامية- واستنفر إمام تلك الدولة الشعب على قتال عدوه، وجب على الجميع أن ينفر معه، وإذا عيَّن، وقال: عندنا قتال في الجهة الفلانية ويصلح له فلان وفلان وفلان، لخبرتهم أو لمعرفتهم، فيتعين على هؤلاء أن يجيبوا، وكذلك الشخص المتطوع في الحراسة في الثغور، إذا نشبت الحرب وجب عليه أن يشارك، ولا يحق له أن يرجع.