للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجمع بين: (عمل يدخلني الجنة) وبين: (لن يدخل أحد الجنة بعمله)]

وقد ورد في رواية أخرى لهذا الحديث: يقربني من الجنة ويباعدني من النار.

وهنا مسألة: فرواية (يدخلني الجنة) فيها تعارض مع حديث: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل) فإن قيل: فبماذا يدخل المؤمنون الجنة؟ قلنا: بفضل الله، لأن مدار عمل العامل العابد الزاهد الورع القائم الصائم مهما كان، فهو يعمل بفضل الله عليه، إذاً: عمله فضل من الله عليه، كما قال موسى عليه السلام: يا رب إن قمت صليت فبك قمت، وإن صمت فبك صمت، وإن بلغت الدعوة فبك بلغت، فكيف أشكرك، قال: الآن الآن يا موسى شكرتني عرفت أن كل شيءٍ من عندي فشكرتني.

وكذلك مهما صلى المصلي الطاقة التي قام وتحرك بها هي من الله، والتوجه إلى العبادة دون المعصية، والهداية والتوفيق بأن يأتي إلى المسجد بدل أن يذهب إلى المقهى، فالذي وجهه ومنحه هذه الهداية والتوفيق هو المولى سبحانه، وكل ذلك فضل من الله عليه، إذاً:" عملك الذي تريد أن تعتد به ليس من عندك، إنما هو من عند الله فضلاً عليك.

وهنا مسألة: هل يوجد تعارض بين قوله عليه الصلاة والسلام: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله) ، وبين قوله تعالى: {أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف:٤٣] ؟ قال العلماء: الآية الكريمة تقول: {أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا} ولم تقل: التي دخلتموها، لأنه فرق بين دخول الجنة، وبين التوارث في الجنة، فدخول الجنة محض فضل من الله، أما التنعم فيها والدرجات، فهذا كله بسبب العمل، وكمثال: لو أن إنساناً وجه لشخص بطاقة دعوة في وليمة، ولم يكتب له في الدعوة أن لا تأكل إلا كذا، قد يعين له رقم كرسي، ولكن لا حجر عليه فيما يأكل، ففضل الوليمة من صاحبها، وتنوع الأشياء الداخلية أنت وذوقك.

فقالوا: التوارث في الجنة المولى سبحانه جعل لكل إنسان سيأتي من ذرية آدم إلى آخر الدنيا منزلتين، منزلة في النار ومنزلة في الجنة، فإن وفقه الله لاتباع رسله، وكان من أهل الجنة، تعطلت منزلته في النار، وإن خذله الله -عياذاً بالله- وخالف رسل الله، وكان من أهل النار، خلت منزلته في الجنة.

إذاً: بعد دخول أهل الجنة الجنة ودخول أهل النار النار، يبقى نصف الجنة خالياً أو أكثر أو أقل، فيها منازل خالية، بقدر ما في النار من أشخاص، وتلك المنازل لا تترك خالية، بل يورثها الله من دخل الجنة، ويورثها بأي شيء؟ ليس هناك {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:١١] ، فالذكر والأنثى في الجنة سواء، ولكن يبقى {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب:٣٥] ، تتساوى هناك الدرجات وتتفاضل بحسب الأعمال، زوجة فرعون قالت: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ} [التحريم:١١] ، فاختارت الجار قبل الدار، {ابْنِ لِي عِنْدَكَ} ثم {بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} ، يعني إرادتها جوار ربها أكثر من رغبتها في دار في الجنة.

ويقول العلماء: ذلك التوارث بحسب درجات عمل المؤمن، فمنهم من يعطى منزلة، ومنهم من يعطى منزلتين وثلاثاً أو أكثر أو أقل، بحسب التفاوت في الأعمال.

إذاً: معاذ حينما يقول: (دلني على عمل يقربني من الجنة) ، فإنه لا يتعارض مع (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله) ، وحديث: دلني على عمل يدخلني الجنة، معناه: أي يكون سبباً في رضا الله عني وتقبله مني، وقد قال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه: لو أن إحدى قدمي في الجنة والأخرى خارجها، ما أمنت مكر الله.

قوله: يدخلني أو يقربني فيها إيجاز وحصر، لأن دخول الجنة هو كل خير يسعى إليه المسلم، والابتعاد عن النار هو كل شر يفر منه المسلم، وكما قالوا في الدنيا، مطامع العقلاء في هذه الدنيا لأحد أمرين: إما لجلب نفع وإما لدفع ضر ولذا يقولون: إذا أنت لا تنفع فضر فإنما يراد الفتى كيما يضر وينفع أي: يضر العدو وينفع الصديق، وهنا معاذ سأل عما يقربه من أعظم خير يسعى إليه وهو الجنة، وعما يباعده عن أعظم شر يفر منه وهو النار، وكما جاء في حديث الأعرابي، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! علمني دعاءً ولا تكثر، لعلي أحفظ فإني لا أحفظ دندنتكم هذه، قال: وأنت بماذا تدعو؟ قال: أنا أقول اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار، فقال صلى الله عليه وسلم: (حولهما ندندن) .