للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وإلقاؤه في النار]

أولاً: قصة خليل الرحمن عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، كان يدعو بمفرده أمة إلى الله، وتحداها وحطم أصنامها، وأذلها، وسخر منها، وعندما سألوه عن ذلك قال: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ} [الأنبياء:٦٣] فقالوا: {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ} [الأنبياء:٦٥] إلى آخر الآيات، ثم أجمعوا كيدهم على أن يحرقوه، وذكروا أن الرجل منهم كان يوصي عند موته بجزء من ماله لحطب النار التي سيلقى فيها إبراهيم، {فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِينَ} [الصافات:٩٨] ، إبراهيم عليه السلام كان وحده في تلك الأمة، وأجمعوا على ضره، ولكن الله ما قدر عليه الضر، وهم قد جمعوا كل ما في إمكاناتهم، وعند إلقائه تحيروا كيف يلقونه في النار في الوقت الذي لم يكن أحد يقدر أن يقرب منها لشدة حرها، فجاءهم أستاذهم إبليس ورسم لهم خطة المنجنيق، فصنع المنجنيق ووضع إبراهيم فيه، وما بقي إلا أن يرمى، فجاءه جبريل عليه السلام يسأله: يا إبراهيم! ألك حاجة؟ الوقت ضيق، ولا يوجد فرصة للكلام الكثير، فقال: أما إليك فلا، وأما إلى الله فبلى، هذه أخصر برقية في العالم، (إليك فلا) ، (إليه بلى) ، (علمه بحالي أغنى عن سؤالي) ، وبعض الناس يعترض على هذه الجملة ويقول: إذاً: لا ندعو، ولا نسأل، فهذا غفل عن الظرف، والعرب من بلاغتهم يقولون: لكل مقام مقال، هل كان وقت إبراهيم متسعاً؛ لأن يقول: يا رب! يا رب؟! لا يوجد وقت، فهو رمي بالمنجنيق وصار في الهواء، وليس هناك وقت ليرفع كفه ويدعو ويستجير، ولو كان في الوقت متسع، فعليك أن تلجأ إلى الله، وتسأل الله، وتدعو الله، لعل القضاء والقدر معلق بسؤالك، قال الله: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد:٣٩] ، لكن من الخطأ أن تكف عن الدعاء، قال الله: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي} [غافر:٦٠] ، وقال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:١٨٦] ، فالإعراض عن الدعاء إعراض عن الله، لكن إبراهيم لم يجد وقتاً للدعاء.

هل ضرت تلك الأمة بجمعها إبراهيم؟! لا، مع أنهم فعلوا كل ما في إمكاناتهم، والعجيب -كما قال بعض العلماء- أن المولى يعلم بأنهم لن يصلوا إليه، ومكنهم من إيقاد النار، وما أرسل سحابة على قدر النار تمطر وتطفئ عليهم النار، ولم يجر سيولاً على النار، وما أنزل عليهم صواعق تهلكهم، وكل هذا في قدرة الله، لكن لم يقدره لتكتمل المعجزة، وتظهر الآية، وتكون لنا عبرة، فتركوا على مهلهم؛ جمعوا الحطب، وأتوا بآلة النفخ، فنفخوا حتى تأججت النار، حتى بلغ من شدتها أن الطير لا تستطيع أن يطير في سمائها، ثم أتوا بالمنجنيق، ففعلوا كل ما عندهم، ووصلوا إلى أقصى غاية في إمكاناتهم، ثم قال الله كلمة: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:٦٩] ، هل يوجد عقل للنار؟! هل في النار دماغ أو أذن تسمع به؟! لكن خالقها الذي أذن بتأججها وأعطاها القدرة على الاشتعال، سلبها القدرة على الإحراق بكلمة، فالآية تظهر حينما يأتي السبب، وينتفي المانع، ويقف الأثر، فالسبب موجود وهو النار المحرقة، وانتفى المانع، فلا ماء يطفئها، ولا هو لابس ثياباً ضد الحريق، وما عليه شيء من هذا، فما الذي منع النار أن تحرق إبراهيم بطبيعتها؟ ليس هناك مانع إلا قوله: {كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:٦٩] .

إذاً: لو أن الأمة اجتمعت على أن يضروك بشيء، لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، وإذا لم يكن قد كتبه عليك فلن لم يستطيعوا أن يغيروا ما كتب الله، وها هو إبراهيم عليه السلام أنجاه الله من النار بعدما فعلوا ما بوسعهم وبعدما خمدت النار، نظروا إلى إبراهيم ليروا كيف حرق، ففوجئوا به حياً!! ولو كانت عقولهم سليمة لآمنوا، فهذه نار كبيرة ماذا كانت ستبقي من إبراهيم لو خلي بينها وبينه لن تبقي منه شيئاً، لكن عقولهم سخيفة فلم يؤمنوا!! يقول بعض العلماء في قوله سبحانه: (كُونِي بَرْدًا) حفظ من شدة البرد بقوله: (وَسَلامًا) ، ولولا هذا لكانت (كالفريزر) فيتجمد، فرحمه الله من بردها بسلام فقال: ((يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ((.