للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (البر حسن الخلق)]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيد الأولين والآخرين، سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: قال المصنف رحمه الله: [عن النواس بن سمعان رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس) رواه مسلم.

وعن وابصة بن معبد رضي الله تعالى عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أتيت تسأل عن البر؟ قلت: نعم، قال: استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك) حديث حسن، رويناه في مسندي الإمامين أحمد بن حنبل والدارمي بإسناد حسن] .

يسوق الإمام النووي رحمه الله هذين الحديثين في موضع واحد كحديث واحد لاتحاد موضوعهما، وإن اختلفت الألفاظ والرواة والتخريج، فالأول عن النواس بن سمعان رواه مسلم، والثاني عن وابصة بن معبد رواه أحمد والدارمي، وكلا الحديثين صحيح.

الحديث الأول: عن النواس بن سمعان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك) .

والحديث الثاني: عن وابصة، وفي بعض الروايات أنه قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم في رهط من قومي، وكان ذلك في سنة تسع من الهجرة عام الوفود، قال: (فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد، وحوله أصحابه، فأخذت أتخطى الرقاب لأدنو منه، فقالوا: دونك يا وابصة! هذا رسول الله! فقلت: دعوني أصل إليه، فقال: دعوه، فدنوت منه حتى لمست ركبتاي ركبتيه، فقال: يا وابصة! أخبرك بما جئت تسأل عنه أم تسأل وأخبرك؟ فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! بل أخبرني، فقال: جئت تسأل عن البر والإثم، فقلت: والذي بعثك بالحق! عن هذا جئت أسأل!) ، وهذه الرواية لها نظير في باب الحج حينما (كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً في مسجد الخيف فأتاه رجلان: أحدهما من ثقيف، والآخر من الأنصار، فقال الحاضرون: قدّموا هذين فإنهما على سفر، فقال الثقفي للأنصاري: سل، وقال الأنصاري للثقفي: سل، فقال صلى الله عليه وسلم: إن شئتما سألتما، وإن شئتما أخبرتكما عما جئتما تسألان عنه! فقال الأنصاري: بل أخبرنا أنت يا رسول الله! قال: جئت تسأل عن حجك وما لك فيه، وعن خروجك من بيتك تؤم البيت وما لك فيه، وعن طوافك بالبيت، وطوافك بين الصفا والمروة، وعن وقوفك يوم عرفة، وعن حلقك الشعر، وعن رميك الجمرات، وعن نحرك الهدي، قال: والذي بعثك بالحق! عن هذا جئنا نسألك يا رسول الله!) ، فذكر لهما النبي صلى الله عليه وسلم أجر المناسك كلها حتى نهاية الحج، والطواف بالبيت، فقال في آخره: (تطوف بالبيت، ويأتي ملك يربض بكفه بين كتفيك، ويقول لك: استقبل عملاً جديداً، فصحيفتك بيضاء نقية) .