[تميم بن أوس الداري وحديثه في الجساسة]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: قال رحمه الله تعالى في الحديث السابع من الأحاديث الأربعين النووية: [الدين النصيحة.
عن أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة.
قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) رواه مسلم] .
هذا الحديث -السابع من الأربعين النووية- يعده بعض العلماء ربع الدين، ومنهم من يعده نصف الدين، وآخرون يعدونه ثلاثة أرباع الدين، ولو قال قائل: إنه الدين كله -كما قال صلى الله عليه وسلم لكان حقاً، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى من الجميع.
وقبل الكلام على الحديث نقول: جرت العادة على التنبيه على بعض النوادر أو بعض الأشياء الغريبة فيما يتعلق ببعض الرواة، ومن هذا القبيل: فإنه من المعلوم عند علماء التاريخ وعلماء الحديث أنه إذا ذكر تميم الداري ذكر معه حالاً خبر الجساسة، وخبر الجساسة -كما رواه مسلم مطولاً- عن فاطمة بنت قيس رضي الله تعالى عنها، أنه دخل عليها بعض التابعين وقال: حدثينا حديثاً سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسندينه إلى أحد غيره -يعني: لا تجيئن بواسطة بينك وبين الرسول صلى الله عليه وسلم، بل بحديث تقولين: إنك سمعتيه مشافهةً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقالت: تزوجت فلاناً وطلقني، وفلاناً ثم في يوم نادى المنادي: الصلاة جامعة، فحضر الناس المسجد وكنت في صف النسوة خلف القوم، فصعد صلى الله عليه وسلم المنبر وتبسم، وقال: (أتدرون لِمَ جمعتكم؟ ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة؛ ولكن حدثني تميم الداري بشيء كنتُ حدثتكم بمثله، فأحببت أن تسمعوا.
تميم الداري أن يتكلم فقام وقال: ركبنا سفينة بحرية في ثلاثين رجلاً -وكلمة بحرية قيد ليبين أنها سفينة كبيرة تبحر في البحار وليست سفينة نهرية صغيرة تمشي في النهر-.
قال في بعض الروايات: ركبنا البحر حينما اغتلم علينا، فهاج بنا شهراً، حتى أرفأْنا -يعني: رست السفينة- إلى جزيرة، فجئنا وركبنا في قُرُب السفينة -القُرُب: جمع قارب، ومن المعروف الآن أن مع البواخر الكبيرة: قوارب نجاة، وتكون تلك القوارب متصلة بالسفينة الكبيرة حتى وقت الحاجة الطارئة إذا أرادوا أن يذهبوا إلى ماء خفيف إلى الشاطئ، والعمق لا يحتمل السفينة الكبيرة فينزلونها لتكون أخف في الحركة وأسرع- فجلسنا في قُرُب السفينة ثم نزلنا إلى الجزيرة.
وفي بعض رواياته: فطلبنا الماء.
وبعض رواياته: فانكسرت السفينة فركب البعض منا على لوح منها.
كل تلك الروايات: فجئنا تلك الجزيرة، فلقيَنا دابةٌ أهلب كثيفة الشعر لا يُعرَف قُبُلها من دبرها -لايعرف مؤخرها من مقدمها من كثرة الشعر فيها- فقلنا: من أنتِ؟ قالت: أنا الجساسة.
قالت: ومن أنتم؟ وما خبركم؟ فذكرت لنا رجلاً وقالت: ائتوا ذلك الرجل في هذا الدير.
فلما ذكرت لنا رجلاً خفنا منها، وظننا أنها من الجن، فأسرعنا إلى الدير، فوجدنا رجلاً أشد وأكبر ما يكون، موثوقة يداه إلى رجليه ما بين الركبتين إلى القدمين في الحديد، فقال: من أنتم؟ فأخبرناه أمر الجساسة وقلنا: وجدنا دابة صفتها كذا وكذا، ثم قالت: هلموا إلى هذا الرجل في هذا الدير، فخشينا منها، فمن أنت؟ فقال: أنا المسيح، ومن أنتم؟ قلنا: قوم من العرب هاج بنا البحر وأرفأنا إلى هذه جزيرتك، فنزلنا فيها.
فقال: أما وقد علمتم مكاني، فإني أنا المسيح، أسألكم عن نخل بيسان.
قلنا: وعن أي شيء تسأل؟ قال: هل يثمر إلى الآن؟ قلنا: نعم يثمر.
قال: يوشك ألَّا يثمر.
ثم قال: أسألكم عن بحيرة طبرية: أفيها ماء؟ قلنا: نعم، مليئة بالماء.
قال: أسألكم عن عين كذا -وهي عين في أقصى الشام- هل تسيل؟ وهل يزرع أهلها؟ قلنا: ماؤها يفيض، ويزرع أهلها على مائها.
قال: يوشك ألَّا تجري، وألَّا يزرع أهلها.
ثم قال: أسألكم عن النبي الأمي: أظهر؟ قلنا: نعم، ظهر في مكة وهاجر إلى طيبة.
قال: ماذا فعل مع العرب، هل قاتلوه وقاتلهم؟ قلنا: نعم، قاتلوه وقاتلهم.
قال: ماذا فعل معهم؟ قلنا: لقد نصره الله عليهم وأظهره على كل من لقي وأطاعه العرب.
قال: هذا خير لهم.
ثم قال: إنه المسيح، ويوشك أن تُحلَّ قيوده وأن يظهر.
قال: فإذا خرجت فلن أترك قرية في الأرض إلا وطئتها إلا مكة وطيبة.
وبعض الروايات: ويثرب.
ورواية مسلم: وطيبة.
فإن على أنقابها ملائكة بأيديهم سيوف مصلتة.
وبعض الرويات: ملك يحرسها بيده سيف مصلت، فإذا جئت إلى أحد أبوابها ردني بسيفه.
ثم يقول تميم: أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال رسول الله: هل كنتُ حدثتكم بمثل ذلك من قبل؟ قالوا: نعم.
قال: أحببت أن أخبركم بخبر تميم يطابق ما كنت أخبرتكم به) .
هذه نبذة عن قصة الجساسة، وسميت جساسة؛ لأنها تتجسس الأخبار للدجال عما يحدث عند الناس، أوردنا هذا على غير العادة لأن اسم تميم الداري دائماً يصحبه خبر الجساسة.
وتميم الداري رضي الله تعالى عنه كان نصرانياً وكان راهباً متعبداً، قالوا: ولما أسلم جاء إبان عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، وأسلم ومكث على الاجتهاد في عبادته، وكان يقوم الليل وربما قرأ القرآن كله في ليلة، وربما قضى الليلة في آية واحدة، فكان متعبداً رضي الله تعالى عنه، ثم خرج بعد مقتل عثمان رضي الله تعالى عنه إلى الشام ومات بفلسطين.