للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التواجد والصراخ عند سماع ذكر الله سبحانه وتعالى]

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد الصادق الأمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: إذا كنا قد ألممنا بمعنى الحديث إجمالاً، فإن في الحديث مواطن تثير السؤال، وتستوجب الإجابة، ونستعين بالله سبحانه وتعالى على أن نورد ما يسر الله من ذلك: من تلك المواطن: قوله صلى الله عليه وسلم: (أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة) ، إلى أي حدود تكون الطاعة؟! ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً) ، ما نوع هذا الاختلاف؟ وما الفرق بين الاختلاف والمخالفة؟ وما هو موقف كل مسلم من الخلافات الموجودة بين الأئمة الأربعة؟ النقطة الثالثة: ما يوجد من بعض الإخوان من تتبع بعض الشواذ من الأحاديث غير المعمول بها، وإثارة مواضيعها؛ مما يسبب اختلافاً كثيراً بين الناس.

وفي حديث العرباض رضي الله تعالى عنه أن تأثير الموعظة البليغة من النبي صلى الله عليه وسلم، هو: أن وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، ويوجد في هذه الآونة بعض الناس إذا سمع موعظة ضعف أمام عاطفته، وأخذ يصرخ ويتواجد، وتأتيه حالات غير عادية، فما حقيقة هذا الموقف؟ هذه النقاط كلها ذات أهمية كبرى، ويتساءل عنها الإخوة من أول يوم تناولنا فيه هذا الحديث بالبيان، وبعد أن انتهى الكلام على مجمل الحديث، نعود إلى تلك النقاط، ونستلهم الله تعالى الرشد، ونستعينه ونستهديه.

أما النقطة الأولى حسب الترتيب الإيرادي في الحديث، فهي نقطة أثر الموعظة في قلب المؤمن.

يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: إن التواجد عند سماع الذكر أو الموعظة أمر جبلي، وإذا رق قلب المؤمن عند سماع الموعظة أو ذكر الله فقد تعتريه تلك الحالة، ولكن كان الصحابة يسمعون ما هو أعظم مما يسمعه أهل زماننا -أي: في زمنه في القرن السابع والثامن-، ولم يكن لهم تواجد ولا صراخ، فيقول: كانوا أقوى شخصية، وأثبت قدماً، عندما يسمعوا موعظة أو ذكراً، فهم ضبطوا أنفسهم، واستطاعوا السيطرة على عواطفهم وشعورهم، وكان ما يظهر منهم فوق طاقتهم هو ما وصفه العرباض رضي الله تعالى عنه: (وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون) .

وهكذا يذكر كثير من العلماء -وخاصة المشتغلين بالتربية- أن الشخص الذي يتواجد ضعيف الشخصية، وضعيف التحكم في عواطفه، بحيث تستهويه بعض المواعظ أو بعض الذكر إذا تعرض إلى شيء من هذا القبيل، فالأكمل في الرجال هو القدرة على التحكم في عواطفهم في مثل هذه المواقف، وقد جاء أن من السبعة الذين يظلهم الله تحت ظله: (رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) ، وقال الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر:٢٣] ، وقال في الآية العظيمة: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨] .