ثم ذكر منطلق اتقاء الشبهات، والأصل في ذلك وهو: القلب، فقال:(ألا وإن في الجسد مضغة) ما علاقة هذه المضغة في الحمى وفي المحارم؟ لأن اتقاء الشبهات ليس عمل الجوارح بقدر ما هو عمل القلب؛ لأن اتقاء الشبهات بتقوى الله، وتقوى الله محلها القلب، (ألا وإن في الجسد) عموماً من شعره إلى إلى ظفر رجله (مضغة) والمضغة تشبيه بقدر ما يكون القلب، علماً بأن قلب كل حيوان بقدر قبضة يده، فقلب الطفل الصغير بقدر قبضة يده وهكذا قلب الفيل بقدر خفه، وقلب البعير بقدر خفه، وهذا مقياس في جميع الحيوانات، (ألا وإن في الجسد مضغة) أسلوب تقليل، أي: أنها من أصغر الأعضاء الموجودة في الجسم، فهي أصغر من الكبد، وربما تكون أصغر من الطحال في بعض الحالات، مع أن القلب أكبر من الطحال نوعاً ما، وأصغر من الرئة، وأصغر من اليد، وأصغر من الرجل، وأصغر من الرأس، فهذه المضغة صغير حجمها ولكن عليها مدار صلاح العبد.
(إذا صلحت صلح الجسد كله) صلحت من الناحية الصحية فيكون القلب سليماً، ومن الناحية الاعتقادية فيكون القلب نقياً طاهراً، الأمران معاً، ويتفق الأطباء الآن بأن مريض القلب يعتبر مريض الجسم كله، وأن صحيح القلب صحيح الجسم كله إلا ما ندر في بعض الجوانب، فصحة القلب دليل على الصحة العامة بالجسم، ولكن الأصل أن المراد هنا: الصحة المعنوية، وهي صحة الإيمان والعقيدة، وقوة اليقين بالله، فإذا صلح القلب مع الله سبحانه؛ صلح هذا الجسد في أعماله، وكان سلوكه صالحاً خالصاً لوجه الله تعالى، والله سبحانه وتعالى أعلم.