للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أحكام فقهية متعلقة بإسقاط الأجنة أو الجناية عليها]

إن هذا الحديث ليس مجرد وعظ، وليس مجرد إخبار عن الغيب، ولكنه يترتب عليه شيء من الأحكام الفقهية: من ذلك: أنه إذا سقط هذا الجنين قبل الولادة، فماذا يكون على من أسقطه؟ وما حكم هذا السقط من حيث الصلاة عليه وتكفينه ودفنه، وكذلك ميراثه؟ يبحث العلماء هذا الموضوع في باب الجنائز، وتغسيل الميت والصلاة عليه، واستحقاق الميراث، فيتفقون على أنه إن نزل واستهل صارخاً فإن له الميراث، وإذا جني عليه فإن من جنى عليه ملزم بنفس كاملة.

وإذا ما خرج قبل أربعة أشهر ماذا يكون حكمه؟ إذا نزل قبل الأربعة الأشهر يختلف الأمر فيه، إذ جاء في ذلك عن الشافعي قولان، وعن أحمد روايتان؛ بأنه يصلى عليه أو لا يصلي، أما بعد الأربعة الأشهر فإنه إذا نزل حياً أو ميتاً فإنهم متفقون أنه خرج بعد نفخ الروح فيه ولو بعد الأربعة الأشهر بيوم واحد، وعليه فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه، فإن نزل ميتاً فلا ميراث له، وإن نزل متحركاً أو له ما يثبت الحياة الثابتة أي حركة مستقرة وكان بعد ستة أشهر -لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر- فله الميراث إن نزل حياً ثم مات بعد ذلك، فإذا جني عليه قبل أن يتحرك فإن في الجناية عليه غرة إذا انفصل عن أمه ميتا، أما إذا مات مع أمه -جني عليه مع أمه- ولم ينزل فديته تندرج في دية أمه، وإذا نزل ميتاً وأمه بقيت في الحياة فإن ديته غرة وليدة أمة أو عبدا.

بعد ذلك يأتي البحث: هل للمرأة أن تسقط الجنين قبل الأربعة الأشهر أم لا؟ فعلى قول بعض الفقهاء: النطفة التي تتكون خلال الأربعين يوماً الأولى لها أن تنزلها؛ لأنها لم تتطور.

ويقول الحنابلة والمتأخرون: إن النطفة حينما تعلق ببويضة المرأة لا يجوز إجهاضها، وهذا ما أقره الأطباء، حيث عقد في سنة ست وثلاثين وتسعمائة وألف المؤتمر الطبي العام في مستشفى القصر العيني، بحضور جميع أطباء مصر، وفي تلك الندوة قرروا: أنه لا يجوز لطبيب أن يجهض امرأة إذا علقت البويضة، ولو من أول يوم، وكل إجهاض فهو عمل جنائي.

أما كونها تحتاج إلى ذلك أو تضطر إليه فهذا أمر آخر، أما في الأحوال العادية التي لا يكون فيها خطر على الأم فلا يجوز إجهاض النطفة ولو بعد تلقيحها بثلاثة أيام، لأن الأطباء متفقون على أن البويضة مع الحيوان المنوي بعد التلقيح بثلاثة أيام تبدأ بالانقسام، وهكذا يبدأ في النمو كما ينمو البطيخ في عرقه، ولا يزال ينمو ويزيد ويتخلق إلى أن تنفخ فيه الروح فيصير إنساناً مكتملاً، وما كان على هذه الحالة فلا يجوز بحال من الأحوال أن تجهض المرأة نفسها أو تسقط جنينها بعد أن علق برحمها، والله أسأل أن يوفقنا وإياكم جميعاً لما يحبه ويرضاه، وهذا من المعجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبين لنا ما يتعلق بخلق الجنين في الرحم، ولم يطلع على ذلك أحد في ذلك العهد، وكما أشرنا لم تكن هناك أية وسيلة من وسائل الاطلاع على ما في الأرحام وإنما هو الوحي من الله، وكما قال ابن مسعود: وهو الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه، والحمد لله رب العالمين.