للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الهجرة وأهميتها]

وكذلك الهجران: تهجر صديقك، أي: تقاطعه، وفي الحديث: (ولا يحل لامرئ أن يهجر أخاه فوق ثلاث) ، والهجرة انتقال وانقطاع عما كان فيه، إلى ما ذهب إليه.

وفي الاصطلاح: انتقال من بلد الكفر إلى بلد الإسلام، أو انتقال من بلد لا يستطيع المسلم أن يؤدي أحكام دينه فيها، ولا أن يعبد ربه على ما ينبغي إلى بلد آخر يستطيع فيه ذلك.

وقد سبقت الهجرة إلى الحبشة مرتين، وجاءت الهجرة الكبرى إلى المدينة المنورة، وكانت الهجرة إلى المدينة ركناً من أركان الإسلام حتى جاء الفتح، (فلا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية) .

فالهجرة في بادئ الأمر كانت ركناً، حيث كان يجب أن ينتقل الأعراب وأهل القرى المدن من ديارهم إلى المدينة المنورة، ولماذا كانت ركناً؟ لأنها كانت بداية تكون النواة الأولى للدولة الإسلامية التي ستصبح عاصمتها المدينة، لذا كان لزاماً على كل فرد آمن بالله أن يهاجر إليها، لتتكون القاعدة الصلبة لهذه الدولة والتي منها ينطلقون إلى الأمصار، وفيما بعد رجعوا إلى مكة فاتحين، فكانت الهجرة في أول الإسلام واجبة ليتجمع المسلمون ويتحدوا ليفتحوا القرى والأمصار على ما تم ولله الحمد، وأكمل الله سبحانه الدين للأمة.

وبعد أن فتحت مكة طهرت الجزيرة من درن الأصنام، وقضي على دولة الشرك وبقيت البلاد إسلامية من أقصاها لأقصاها، ثم بدأ المسلمون ينطلقون منها إلى ما جاورها.

ثم انطلق خلفاؤه من بعده صلى الله عليه وسلم، فـ أبو بكر رضي الله عنه في خلافته تصدى للمرتدين من الأعراب ممن سولت لهم نفوسهم أمراً، حتى استتب الأمر وثبت الناس على دينهم، وبدأت الفتوحات في زمن عمر رضي الله عنه فانطلقت الجيوش وفتحت الأمصار، وفتح الله للمسلمين البلاد شرقاً وغرباً.

فقد كانت الهجرة في أمر الأمر واجبة، ثم بعد ذلك صارت مندوبة، أو صارت بحسب حال الفرد، فمن استطاع أن يؤدي أمور دينه في بلده فليثبت، ومن لم يستطع فليهاجر إلى المكان الذي يستطيع فيه تأدية شعائر دينه.

وأحب أن أنبه أنه في بعض البلاد تحدث مضايقات للدعاة ولشباب الحركات الإسلامية، مما يحدو بالبعض إلى الهجرة، وترك البلاد لما فيها من فساد، أقول: إذاً: لمن تترك تلك البلاد؟ ومن يقوم بأمر الدعوة فيها إذا تركها الدعاة والصالحون، بل الواجب الصبر، وأن يثبتوا في أماكنهم وأن يدعوا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، لعلهم أن يدرءوا الشر عن ضعاف المسلمين، أو أن يكونوا ردءاً لضعاف الإيمان فيعلموهم ويبينوا لهم ما ينبغي أن يفعلوه، وما يجب أن يتركوه، ولكن مع مصانعة الأعداء بالحكمة.

ويكفي أن الرسول صلى الله عليه وسلم مكث ثلاث عشرة سنة في مكة وهو يدعو إلى الله والأصنام مثبتة في بناء الكعبة، ويصلي إلى البيت وربما يقع الصنم على ظهره، وهو لم يغير شيئاً، حتى إذا أراد الله النصر وجاء الأوان، وفتحت مكة أخذ يشير إلى الأصنام بقضيب في يده ويقول: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} [الإسراء:٨١] فتتساقط تلك الأصنام مع أنها مثبتة بالحديد.