للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قتل النفس بالنفس]

والخصلة الثانية: (النفس بالنفس) ، وهذا دليل على المساواة بين المسلمين، فأكبر إنسان في أكبر مجتمع إذا قتله أدنى إنسان في أدنى مجتمع، وكلاهما يشهد أن لا إله إلا الله؛ فليس في دم هذا العظيم أكثر من دم هذا الوضيع، وكذلك العكس: لو أن أعظم إنسان في أعظم مجتمع قتل أضعف إنسان في أضعف مجتمع، فدم هذا العظيم مقابل دم هذا الحقير، ولذا قال الصديق رضي الله تعالى عنه في خطابه العام للأمة أول خلافته: أيها الناس! وليت عليكم ولست بأفضلكم، ألا إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له الحق، وإن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ الحق منه.

وليس كما يقولون: حكم النقض يسري على كل أحد، كالأمم التي تتحكم في العالم، فإذا كان قرار في غير مصلحتها تستعمل حق الفيتو وتنقض الحكم، لا وإنما هي المساواة بين الأنفس جميعاً، فالنفس بالنفس.

واختلف العلماء في الرجل إذا قتل امرأة، فالجمهور على أنه يقتل بها، أي: في العمد، وقال بعض العلماء -وهي رواية عن علي رضي الله تعالى عنه-: إن أولياء المرأة إذا أرادوا قتل الرجل فعليهم أن يدفعوا نصف الدية لأولياء الرجل؛ لأن دية المرأة على نصف دية الرجل، والجمهور يقولون: قال الله: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:٤٥] ، والمرأة نفس، والرجل نفس، فهما سواء.

واتفقوا على أنه إذا اجتمع جماعة على قتل شخص، واشتركوا جميعاً في قتله، فإنهم يقتلون جميعاً بهذا الواحد، كما قال عمر: والله! لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به جميعاً، وذلك لحفظ الأمن؛ لأنه إذا لم تقتل الجماعة بالواحد؛ لاتفق القاتل مع آخرين، وقتلوا من أراد صاحبهم أن يقتله، لعلمهم أنهم لا يقتلون، فتسفك الدماء، ويقع الهرج في الناس، أما إذا تحقق أنهم اتفقوا وتواطئوا على قتله، فإنهم يقتلون به، ولا يوقف القتل إلا القتل كما قال الله: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة:١٧٩] ، فإذا علم من أراد القتل أنه إن قتل يقتل، كف عن قتل خصمه، وسلم هو عن القتل، فيكون القصاص قد أحيا الشخصين معاً.

وهل يقتل الحر بالعبد؟ التحقيق -وهو قول الجمهور- أن الحر لا يقتل بعبد.

وهل يقتل المسلم بكافر؟ إن كان الكافر حربياً فلا يقتل به إجماعاً، وإن كان ذمياً أو مستأمناً أو له عهد وأمان من الإمام، فـ أبو حنيفة رحمه الله قال: يقتل به المسلم؛ لأن من قتل المعاهد الذي له من الإمام عهد بالأمان فقد افتات على الإمام بنقض عهده مع هذا الذمي، والجمهور يقولون: لا يقتل به، وإنما لأوليائه الدية، فإن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.

فهذا الحكم: النفس بالنفس؛ لو عمل به الناس، لحفظت الدماء، وكانت لهم الحياة، كما قال سبحانه: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة:١٧٩] .