افرق كبير جداً، ويظهر ذلك مع قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع سلمان الفارسي لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مهاجراً ونزل بقباء، سمع به سلمان الفارسي رضي الله عنه، وقد تنقل من فارس إلى الموصل إلى الشام إلى الحجاز، وكل ذلك بحثاً عن الدين الحق، وأخيراً عرف الطريق، وجاء مع قوم، وباعوه، ثم بيع في المدينة لرجل يهودي، فكان يعمل عنده، وينتظر مقدم نبي آخر الزمان من الحرم، وعلم أنه مهاجر إلى بلدة أرضها سبخة ذات نخيل بين حرتين، وكان يظنها خيبر، ثم اتضح له أنها المدينة، فكان يعمل في بستان رجل يهودي، وسمع بمجئ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت عنده ثلاث علامات، وكان في زمن الصيف، فجاء بقفة من الرطب، وقال: يا محمد! هذه صدقة مني عليك، وعلى أصحابك، فنظر إليه صلى الله عليه وسلم وقال:(إني لا آكل الصدقة وقربها إلى الآخرين) ، فقال سلمان: هذه واحدة، ومن الغد جاء بمثلها، وقال: يا محمد! هذه هدية مني إليك ولأصحابك، فأكل منها، فقال سلمان: هذه الثانية، فنظر إليه صلى الله عليه وسلم وكشف له عما بين كتفيه لينظر العلامة الثالثة، فنظر سلمان بين كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهوى على خاتم النبوة يقبله، وأعلن إسلامه حالاً، وقصة سلمان طويلة، ثم اشترى نفسه من صاحبه بكذا أوقية، وأن يغرس له مائة ودية، إلى آخر قصته.
ومما يبين الفرق بين الصدقة والهدية ما جاء في قضية بريرة، عندما دخل صلى الله عليه وسلم البيت، فقدموا له إراماً، فقال:(ألم أر البرمة على النار فيها لحم؟! قالوا: إنه لحم تصدق به على بريرة، وأنت لا تأكل الصدقة، فقال صلى الله عليه وسلم: هو عليها صدقة، ولنا منها هدية) .
ويقول الأصوليون: الأعمال بالمقاصد، وفي الحديث (إنما الأعمال بالنيات) ، وهي قطعة لحم واحدة، وهي من يد صاحبها إلى بريرة صدقة، وهي -القطعة بعينها- من يد بريرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية، فأكل منها صلى الله عليه وسلم.
إذاً: فرق بين الصدقة والهدية، وقد ذكر صلى الله عليه وسلم أن الصدقة لذوي الأرحام والأقارب خير من الصدقة للأجانب؛ لأنه كما قال صلى الله عليه وسلم:: (صدقة وصلة) ، فتصل رحمك وتتصدق، ولكن لا يكون المتصدق عليه من رحمك ممن تلزمك نفقته، لأنه إن كان ممن تلزمك نفقته، فلا يجوز أن تتصدق عليه؛ لأنك تؤدي واجب النفقة من صلة الزكاة، وهذا لا يجوز، والهدية كما قيل: من أكبر ما يكون بين الأفراد في علاج أحنة الصدر، وفي المؤاخاة، وفي غرس المحبة، كما قال صلى الله عليه وسلم:(لن تدخلوا الجنة حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) ، وقوله صلى الله عليه وسلم:(تهادوا تحابوا) ، فإذا أهديت إلى إنسان ولو عود أراك، فإنه يذكرك به، وينزل منزلة في نفسه، فيكون مدعاة إلى زيادة المحبة بينك وبينه.
إذاً: الهدية عامة، يهدي الإنسان لصديقه، أو لأخيه وجاره، والصدقة يتقرب بها إلى الله، ولها مصارفها الخاصة، مثل الفقراء، المساكين، وغيرها من أبواب البر التي يعلمها الجميع.